قَالَ فَاضِلٌ كَرِيمٌ: ( ... وَبَعْضُ الْمُبَاحِ يَتَعَفَّفُ عَنْهُ الدَّاعِيَةُ تَرَفُّعًا وَعُلُوًّا عَنْ مَنْزِلَةِ العَامَّةِ، وَمُفْتِي الدَّعْوَةِ يُفْتِي إخْوَانَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ أَشْيَاءَ يُفْتِي بِجَوَازِهَا مُفْتِي العَامَّةِ، وَاشْتَهَرَ عِنْدَ الدُّعَاةِ قَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَةَ فِي بَعْضِ الأُمُورِ: هَذَا وَإنْ كَانَ مُبَاحًا إلَّا أنَّهُ يَتَنَافَى مَعَ المَّرَاتِبِ الْعَالِيَةِ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ القَيِّمِ فِي الْمَدَارِجِ ...
وَيُقَاسُ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى تَصَرُّفِ أَبِي عَلِيٍّ (الجُبَّانِي؟) فَقَدْ قِيلَ لَهُ: إنَّكَ تَرَى إبَاحَةَ النَّبِيذِ وَأنْتَ لَا تَشْرَبُهُ، فَقَالَ: تَنَاوَلَتْهُ الدَُّعَّارَةُ فَسَمُجَ فِي المُرُوءَةِ.
فَفِقْهُ الدَّعْوَةِ يُفْتِي الدَّاعِيَةَ أنْ يَلْبَثَ مَا اسَتَطَاعَ عِنْدَ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ السَّامِيَةِ، وَأَنْ يَصُونَ عِرْضَهُ عَنْ كُلِّ شُبْهَةٍ وَمَقَالَةِ سُوءٍ، وَبِخَاصَّةٍ مَا يَسْتَسْهِلُهُ الغَوْغَاءُ وَالسُّوقَةُ، فَإنَّهُ أنْزَهُ مِنْهُمْ وَأعْلَى وَأشْرَفُ، وَلَيْسَ الإسْلَامُ مَجْمُوعَةَ أَحْكَامٍ تُحَرِّمُ وَتُحَلِّلُ فَحَسْبُ،وَإنَّمَا هُوَ أخْلَاقٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَنَازِلُ نُبْلٍ، وَالدَّاعِيَةُ فِي مَحَلِّ القُدْوَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَ الْمُثُلَ العُلْيَا لِلطِّبَاعِ العَزِيزَةِ كَيْ يُقَلِّدَهُ الآخَرُونَ، وَأنْ يَتَعَمَّدَ اِرْتِكَابَ ضِدَّ مَا هُوَ ساَفِلٌ مِمَّا تَأبَاهُ الفِطَرُ السَّلِيمَةُ، وَتَقَالِيدُ الْمُرَبِينَ، وَأهْلُ الْجِدِّ وَالبُيُوتِ العَرِيقَةِ الأصِيلَةِ، وَيَصْبِرَ عَلَى الشِّدَةِ الْمُصَاحِبَةِ لِذَلِكَ فَيَكُونَ كَرِيمًا بَاذِلًا إِذَا بَخِلَ المُتَمَوِّلُونَ وَهُوَ فَقِيرٌ، وَيَكُونَ شُجَاعًا مِقْدَامًا حِينَ يَفِرُّ الْقَلِقُونَ، وَيَأتِي سِلْسِلَةَ الأخْلَاقِ الكَرِيمَةِ كُلَّهَا عِنْدَ الحَاجَةِ إِلَى كُلٍّ مِنْهَا، وَعَلَى الاجْتِهَادِ الدَّعَوِيِّ أنْ يُرَاعِيَ ذَلِكَ، وَأنْ يَفْتَرِضَ اسْتِعْدَادَ الدُّعَاةِ لِهَذِهِ السِّيرَةِ الصَّلْبَةِ، فَيُفْتِيَهُمْ بِالأَشَدِّ الذِّي يَحْفَظُ السُّمْعَةَ، وَيُبَيِّضُ الوَّجْهَ، إلَّا مَا يَكُونُ مِنْ تَرْخِيصٍ لِدَاعِيَةٍ لَيْسَ هُوَ فِي الطَّلِيعَةِ وَقَدْ طَالَ تَعَبُهُ رُبَّمَا.
وَسَبَبُ هَذِهِ العَزَائِمِ الدَّعَوِيَةِ فِي النَّوَاحِي الأَخْلَاقِيَّةِ مُرْتَبِطٌ بِالِإيمَانِ بِالقَدَرِ، وَالرِّقَابَةِ الرَّبَانِيَّةِ، فَإِنَّ اللهَ مَعَ البَّاذِلِ يُعَوِّضُهُ، وَمَعَ الشُّجَاعِ يَحْرُسُهُ، وَمَعَ المَّظْلُومِ يَنْصُرُهُ، وَمَعَ الآمِرِ بِالمَعْرُوفِ يَهَبُهُ الفَصَاحَةَ، وَمَا عَمِلَ مُسْلِمٌ عَمَلًا يُوَافِقُ عَلَيْهِ الشَّرْعَ وَأخْلاَقَ الِإيمَانِ إلَّا وَأتَمَّهُ اللهُ وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ، فَإذَا غَفَلَ وَخَالَفَ الشَّرْعَ عَكَّرَ عَلَيْهِ، وَحَرَمَهُ مَا أرَادَ، وَبَدَّلَ اللَّذَةَ الْمُفْتَرَضَةَ فِيهِ إلَى غُصَّةٍ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ قَصَصٌ ذَاتُ مَوَاعِظَ بَلِيغَةٍ، وَلِذَلِكَ فَإنَّ المُفْتِيَ إِذَا أدْرَكَ هَذَا المَعْنَى القَدَرِيَّ، وَاخْتَارَ لِإخْوَانِهِ المَرْكَبَ الصَّعْبَ المُّوَافِقَ لِلشَّرْعِ وَالمُرُوءَةِ؛ بِسَبَبِ يَقِينِهِ بِالمَعُونَةِ الرَّبَانِيَّةِ فَإنَّهُ يَكُونُ قَدْ أحْسَنَ وَلَمْ يَتَكَلَّفْ الإحْرَاجَ لَهُمْ، وَإنَّمَا التَّكَلُّفُ فِي الغُلُوِّ، وَهُوَ مَرْدُودٌ وَفِي مُجَانَبَةِ السُّنَةِ المُّطَهَرَةِ، وَالسُّنَةُ كُلُّهَا دَلَائِلُ مُرُوءَةٍ وَتَحْلِيقٌ فِي أجْوَاءِ الخِصَالِ العَوَالِي]
ـ[عبد الحليم بوخروبة]ــــــــ[07 - 09 - 06, 12:50 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يوجد كتاب في قواعد التشكيل?
ـ[بن طاهر]ــــــــ[07 - 09 - 06, 01:08 ص]ـ
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته
هل يوجد كتاب في قواعد التشكيل?
أمّا بعنوانٍ شبيهٍ بالَّذي تريد فأستبعد ذلك، لكنِ اذْكُرْ - رحمك الله - أنّ التَّشكيل هو تطبيقٌ عمليٌّ لعلومِ النّحو والصّرف والرّسم والتّرقيم وهو زبدتُها، وكُتُبُ العلوم الثّلاثة الأولى كثيرةٌ والحمد لله، أمّا الرَّابع - في صيغته الحديثة - فهو ممَّا منَّ اللهُ به على المتأخّرين، لكن لمَّا تُحْكَمْ مسائِلُهُ كلّها بعد. وإذا كان النّصُّ شعرًا أو حاويًا لبعض الأبيات فيُحتاج إلى علم العَروض والقوافي. ويُضاف إلى ذلك كلّه معرفة كلام العرب وأساليبهم في الكتابة، فإحكام علوم الآلة وحدَه غيرُ كافٍ لكنَّه ضروريّ.
وهذا الأمرُ الأخير هو أهمُّها عندي - والله أعلم -، وسبيلُ تحصيلِه القراءةُ وكثرةُ الاطّلاع، ولو تَيَسَّرَت القراءةُ على شيخٍ مُتقِنٍ ناصحٍ فياحبّذا! لأجل ذلك ترانا هنا حافّين حول مائدة صاحبنا الكريم الفهم الصّحيح - جزاه الله عنا كلَّ الخير (ابتسامة)
وليت إخوتي يفيدوننا بما غاب عنّي ويستدركون عليّ ما جهلتُه ويُثْرُونَ إجابتي القاصرة - جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم.
¥