تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[01 - 05 - 08, 10:24 م]ـ

ـ الموطن الثاني:

قال الشيخ الميلي رحمه الله في (ص314):

((التوسل بالجاه شرك أو ذريعة إليه: والذي نقوله: إن هذا الضرب من التوسل، إن لم يكن شركا فهو ذريعة إليه، وإن الحكم فيه ينبغي أن يفصل على وجه آخر، وهو أن يسلم هذا التوسل للعالم بالتوحيد وما ينافيه، حتى لا يخشى عليه من الشرك، وأن يحذر منه الجاهل المتعرض لمزالق الشرك الخفيف إلى دواعي الوثنية؛ خشية أن يعتقد أن لأحد حقا على الله في جلب النفع أو دفع الضر، وأن الصالحين مع الله تعالى كالوزراء مع الملوك، يحملونهم على فعل مالم يكونوا مريدين لفعله، ومن اعتقد هذا فقد وقع في صريح الشرك وجعل إرادة الله حادثة تتأثر بإرادة غيره و علمه حادثا يتغير لعلم المخلوق.

التفرقة بين الجاهل و العالم في مقام الاحتياط:

.. وسند هذه التفرقة ما رواه مسلم و أبو داود و النسائي،، أن النبي صلى الله عليه و سلم سمع خطيبا يقول: من يطع الله و رسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله و رسوله))، فأنكر صلى الله عليه و سلم على الخطيب الجمع بين الله و رسوله في ضمير واحد، وثبت عنه صلى الله عليه و سلم الجمع بينهما في عدة أحاديث، منها: ما أخرجه أبو داود من قوله صلى الله عليه و سلم: ((م يطع الله و رسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه)).)) انتهى

و قال في (ص396): ((وفي تفصيل القرطبي [1] واستحسان الحافظ له شهادة أخرى لتفرقتنا في التوسل (بالذات و الجاه) بين العالم و الجاهل)) انتهى.

أقول و بالله التوفيق: أجاز الشيخ الميلي رحمه الله التوسل بجاه النبي صلى الله عليه و سلم وذاته للعالم بالتوحيد! لأنه لا يُخشى عليه كما يخشى على الجاهل من التعرض لمزالق الشرك.

وفيه نظر من وجوه:

-الوجه الأول: الصحيح أنه لا فرق بين العالم والجاهل في الأحكام الشرعية.

-الوجه الثاني: الحديث الثاني الذي استدل به الشيخ الميلي – وفي الجمع بين الله و رسوله صلى الله ليه و سلم في لفظ واحد – منكر لا يثبت به حكم شرعي، فقد أخرجه أبو داود في ((السنن)) (1097)، والطبراني في ((الكبير)) (10499) وفي ((الأوسط)) (2530)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (13608) من طريق عمران، عن قتادة، عن عبد ربه، عن عياض، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا.

وقال الحديث فيه علة وهي تفرد عمران بن داور القطان عن قتادة، وقد أشار الطبراني إلى ذلك بقوله ((لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلاَّ عمران)) انتهى

وبهذا أعله المننذري، وابن القيم، وابن الملق وزاد أمرا آخر وهو جهالة عبد ربه [2].

وعلى فرض ثبوت الحديث فليس في حجة على التفريق بين العالم و الجاهل؛ لأن في ذلك وصفا للصحابي بالجهل، ولا يخفى بطلانه؛ بل الصحابي لا يتصدى للخطابة إلا وهو أهل لذلك، وكونه أخطأ في مسألة لا يخرج بذلك عن دائرة أهل العلم.

-الوجه الثالث: الصحابة رضي الله عنهم هم أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يثبت عن أحد منهم أنه توسل بجاهه صلى الله عليه و سلم ولا بذاته، بل كانوا يطلبون منه الدعاء في حياته فيدعو لهم فلما توفي النبي صلى الله عليه و سلم لم يتوسلوا بذاته ولا بجاهه، بل توسلوا بدعاء العباس رضي الله عنه، كما في ((صحيح البخاري)) (964) عن أنس رضي الله عنه: ((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا و إنا نتوسل إليك بعم نبينا فاستسقنا، قال: فيسقون))، فلو كان التوسل بجاه النبي صلى الله عليه و سلم و ذاته جائزا لما عدلوا عنه إلى من هو دونه في الفضل.

قال ابن تيمية رحمه الله في ((قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة)) (ص279): ((علم الصحابة أن التوسل به صلى الله عليه و سلم إنما هو التوسل بالإيمان به و طاعته و محبته وموالاته، أو التوسل بدعائه وشفاعته، فلهذا لم يكونوا يتوسلون بذاته مجردة ن هذا وهذا، فلما لم يفعل الصحابة – رضوان الله ليهم – شيئا من ذلك، ولا دعوا بمثل هذه الأدعية، وهو أعلم منا، و اعلم بما يجب لله ورسوله، وأعلم بما أمر الله به و رسوله من الأدعية، وما هو أقرب إلى الإجابة منا، بل توسلوا بالعباس رضي الله عنه و غيره ممن ليس مثل النبي صلى الله عليه و سلم، دل عدولهم عن التوسل بالأفضل إلى التوسل بالمفضول أن التوسل المشروع بالأفضل لم يكن ممكنا)) انتهى.

-الوجه الرابع: أن التوسل عبادة، والعبادات توقيفية، فلا تكون بالرأي و القياس، كما ذكره الشيخ الميلي نفسه.

-الوجه الخامس: أن العالم بالتوحيد هو أشد الناس احتياطا لأمر دينه؛ لان علمه بالله يورثه الخشية منه سبحانه و تعالى، وكلما كان المرء بالله أعلم كان أكثر له خشية، وخشية الله تعالى توجب له الابتعاد عن وسائل الشرك و ذرائعه، بل توجب له البعد ن منقصات ثواب التوحيد، قال الله تالى: ((إنما يخشى الله من عباده العلماء))، و الراسخون في العلم يخافون أن تزيغ قلوبهم عن الحق، قال الله تعالى: ((ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب))؛ وذلك لأنهم علموا أنهم معرضون للابتلاء، قال تعالى: ((ليبلوكم أيكم أحسن عملا))، ولم يأمنوا مكر الله، قال عز وجل: ((فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون))، فلو بلغ المرء من العلم ما بلغ، فليس هو على يقين من السلامة، والخلاصة أن هذه التفرقة بين العالم و الجاهل في مسألة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه و سلم وذاته [3] لا وجه لها في الشرع، والله أعلم.

ـــــــ

حاشية [1]:أي تفصيله في حكم النذر حيث قال: ((الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد، فيكون إقدامه على ذلك محرما، والكراهة في حق من لم يتقد ذلك)) قال ابن حجر: هو تفصيل حسن. انتهى

حاشية [2]:أنظر: ((مختصر سنن أبي داود)) للمنذري، وبهامشه ((تهذيب السنن)) لابن القيم (3/ 55)، و ((البدر المنير)) (7/ 533).

حاشية [2]: وقد فصل القول في المسألة ابن تيمية رحمه الله في كتابه ((قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة)).

يتبع بمشيئة الله تعالى ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير