ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[06 - 05 - 08, 05:29 م]ـ
ـ الموطن الثالث:
قال الشيخ الميلي رحمه الله في (ص361): ((زيارة التبرك: السابع: التبرك، وهذا لا ينبغي إطلاق القول فيه بانه مشروع أو مبتدع حتى يعلم مراد الزائر من التبرك؛ فإن أراد الإنتفاع في قبول الدعاء، او زيادة ثواب الطاعة ولم يرتكب في زيارته مخالفة للشرع كان غرضه مشروعا معقولا، كما بيناه في الفصل الحادي عشر، وهذا القبر الشريف لا يقصد من زيارته اكثر من ذلك، ففي ((الشفاء)) لعياض: قال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى الله عليه و سلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر الشريف لا على القبلة، ويدنو ويسلم، ولا يمس القبر بيده، وقال في ((المبسوط)): ((لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم يدعو، ولكن يسلم و يمضي))، وقال ابن عاشر:
وسر لقبر المصطفى بأدب .. ونية تجب لكل مطلب
سلم عليه ثم زد للصديق .. ثم إلى عمر نلت التوفيق
واعلم بأن ذا المقام يستجاب .. فيه الدعاء فلا تمل من طلاب
وإن أراد به الانتفاع بالمزور أو المزار في قضاء الحاجات من غير أسبابها المعتادة و طرقها الظاهرة فهو من نسبة التصرف في الكون للمخلوق، وذلك شرك بواح، قال في ((زاد المعاد)): ((وكان هديه صلى الله عليه و سلم ان يقول و يفعل عند زيارته من جنس ما يقوله عند الصلاة عليه من الدعاء و الترحم و الاستغفار، فأبى المشركون إلا دعاء الميت، والإشراك به، و الغقسام على الله به، وشؤاله الحوائج، و الاستعانة به، و التوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه و سلم؛ فإنه هدي توحيد و إحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك و إساءة إلى نفوسهم وإلى الميت)) (1/ 146).))، انتهى ما ذكره الشيخ الميلي.
أقول وبالله التوفيق:
في كلام الشيخ الميلي نظر من وجوه:
الوجه الأول:
فات الشيخ الميلي رحمه الله الإشارة إلى تتمة كلام ابن القيم، كما صنع في نقله لكلام الراغب السابق في مووضع المحبة حيث وضع نقاطا تدل على كلام محذوف لم ير نقله.
وغليك بقية كلام ابن القيم؛ فإن فيه زيادة بيان، قال رحمه الله: ((وهم ثلاثة أقسام: غما أن يدعوا الميت، او يدعوا به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب و أولى من الدعاء في المساجد، ومن تامل هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه تبين له الفرق بين الأمرين، وبالله الوتفيق)) انتهى.
فقول ابن القيم رحمه الله: ((أو عنده)) يشمل الصورة التي أجازها الشيخ الميلي رحمه الله وهي دعاء الزائر لنفسه عند القبر.
والحاصل أن الشيخ الميلي رحمه الله نقل من كلام ابن القيم ما ينطبق على من قصد الانتفاع بالمزور أو المزار في قضاء الحاجات فقط، ولم ينقل الصورة السابقة؛ لأنه يخالف ابن القيم فيما ذهب إليه رحمه الله، و الصواب ما ذكره ابن القيم، كما سيأتي بيانه.
الوجه الثاني:
قول الشيخ الميلي رحمه الله: ((فإن أراد الانتفاع في قبول الدعاء، أو زيادة ثواب الطاعة ولم يرتكب في زيارته مخالفة للشرع كان غرضه مشروعا معقولا، كما بيناه في الفصل الحادي عشر، وهذا القبر الشريف لا يقصد من زيارته أكثر من ذلك)) انتهى.
وذلك الكلام غير صحيح؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة ولا من فعل الصحابة أن قبر النبي صلى الله عليه و سلم-فضلا عن غيره-يستجاب عنده الدعاء، أو يزاد في ثواب الطاعة، قال ابن تيمية رحمه الله في كتاب ((قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة)) (ص34): ((و أما الزيارة البدعية فهي التي يقصد بها أن يطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء و الشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء؛ فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه و سلم، ولا فعلها الصحابة، لا عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم، ولا عند غيره، وهي من جنس الشرك و أسباب الشرك)) انتهى.
وقال أيضا مبينا حكم الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم كما في ((مجموع الفتاوى)) (26/ 147): ((ولا يقف عند القبر للدعاء لنفسه، فإن هذا بدعة، ولم يكن أحد من الصحابة يقف عند قبر يدعوا لنفسه، ولكن كانوا يستقبلون القبلة، ويدعون في مسجده صلى الله عليه و سلم)) انتهى.
¥