تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثاني: لم يتحر الخلفاء الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم الصلاة أو الدعاء أو الذكر في الأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه و سلم فضلا عن الأماكن التي نزل فيها للراحة و نحوها، وهم أعلم الناس بسنة النبي صلى الله عليه و سلم وأسبقهم للخير، فدل ذلك على عدم جواز التبرك بآثاره صلى الله عليه و سلم ولا بآثار غيره من باب أولى.

الوجه الثالث: ما ورد عن عمر ري الله عنه من النهي عن ذلك، فعن المعرور بن سويد قال: ((خرجنا مع عمر ابن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال عمر: أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم بإتباعهم مثل هذا، حتى أحدثوها بيعا، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض)) [9]، علق عليه ابن تيمية بقوله: ((لما كان النبي صلى الله عليه و سلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه؛ لأنه موضع نزوله، رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى الملمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم في الصورة، ومتشبه باليهود و النصارى في القصد، الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل، فإن المتابعة في السنة ابلغ من المتابعة في صورة العمل)) [10].

وجاء عمر رضي الله عنه أيضا انه بلغه أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه و سلم فأمر بها فقطعت [11].

وقد كره مالك و غيره من علماء المدينة إتباع آثار النبي صلى الله عليه و سلم، قال ابن وضاح القرطبي في ((كتاب البدع)) (ص91): ((وكان مالك بن أنس و غيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد و تلك الآثار للنبي صلى الله عليه و سلم ما عدا قباء و أحدا)).

الوجه الرابع: التبرك عبادة و العبادات توقيفية، ولم يرد دليل صحيح صريح في التبرك بآثار الأنبياء عليهم السلام، ولا غيرهم، فيجب الإتباع وعدم الابتداع.

الوجه الخامس: أن التبرك بآثار الأنبياء و الصالحين ذريعة للشرك و الفتنة، فسد هذا الباب أمر مطلوب شرعا، ولهذا قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي كانت تحتها البيعة، ونهى عن تعمد الصلاة في المكنة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينزل بها في سفره [12].

والخلاصة أنه لا يجوز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه و سلم ولا غيره من النبياء و الصالحين، والله أعلم [13].

ــــــ

حاشية [4]:وفي هذا الكتاب من الجهل و الظلم ما الله به عليم.

حاشية [5]:أي الشجرة التي وردت في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ((إذا كنت بين الأخشبين من منى فإن هناك واديا يقال له السرر به (شجرة) سُرّ تحتها سبعين نبيا)) أورده الشيخ الميلي في (ص150) وذكر أن الزرقاني استدل به على التبرك بمواضع النبيين، وقد تبين محقق الكتاب الشيخ محمود-جزاه الله خيرا-ضعف هذا الحديث.

حاشية [6]:وهذا لا يكفي؛ لان الطاعة تكون مشروعة في مكان دون مكان، وزمان دون زمان، و الأصل في ذلك هو اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم.

حاشية [7]:كيف يكون التبرك مشروعا ثم لا يدعو غيره إليه!!

حاشية [8]:من كانت له معرفة بدينه كان أشد احتياطا في تجنب وسائل الشرك، كما يبق بيانه في الوجه الرابع في مسألة التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم.

حاشية [9]:أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7550)، و إسناده صحيح، كما قاله ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (1/ 281).

حاشية [10]: ((مجموع الفتاوى)) (1/ 281).

حاشية [11]:أخرجه ابن سعد في ((الطبقات)) (2/ 100) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7545) وقال ابن حجر: في ((الفتح)) (7/ 448): ((إسناده صحيح)).

حاشية [12]:أنظر: ((إغاثة اللهفان)) (1/ 368).

حاشية [13]:أنظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/ 70 - 757) فإن فيه تفصيل القول في هذه المسألة.

يتبع بمشيئة الله تعالى ..

ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[08 - 05 - 08, 06:21 م]ـ

ـ الموطن الرابع:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير