ـ[أبو الطيب أحمد بن طراد]ــــــــ[26 - 06 - 10, 07:14 ص]ـ
إعدداد ودراسة: الياس جرجوس
للأستاذ مارون بك عبود (بيروت) الكتاب ج2 (1946)،ص587 - 606
هو أحد أقطاب الأدب العربي العظام، نشأ في لبنان وشب في مصر و مالطة، واكتهل في باريس ولندن وتونس، وشيخ في القسطنطينية. فمات ابن ثلاث وثمانين. ما أحوجته الثمانون إلى ترجمان، ولم تأخذ من ذلك الرأس شيئاً فبقي غضاً ونفسه خضراء، كما شهد في بذلك جرجي زيدان:
قدم مصر وقد شاخ وهرم سنة 1886 ((وأتيح لنا مشاهدته وقد علاه الكبر، وأحدق بحدقتيه قوس الأشياخ، واحدودب ظهره، وكنه لم يفقد شيئاً من الانتباه أو الذكاء. وكان إلى آخر أيامه حلو الحديث، طلي العبارة، رقيق الجانب، مع ميل إلى المجون، وقد لاقى في أثناء إقامته بمصر، هذه المرة، حسن الفائدة، فزاره الوزراء و العظماء، وتشرف بالمثول بين يدي الخديوي [توفيق]،فأرمه ولاطفه وذكر خدمته للشرق)) [تراجم مشاهير الشرق القاهرة: مطبعة الهلال 1907، ج2، ص108].
هذا هو الشدياق الذي نتحدث عنه. كان في حياته حديث عصره، وهو، بعد مرور ستين عاماً على وفاته [1946]، حديث حسن لمن وعى.
((الشدايقة)) كانوا في لبنان، وخصوصاً في شماليه، أكثر من الهم على القلب، فكل من لبس القنباز شدياق، وكل من شك دواة في زناره شدياق، ناهيك أن هذا اللقب يطلق على كل طامح إلى خدمة المذبح. وأحمد فارس هو ابن واحد من هؤلاء. هو فارس بن يوسف بن منصور بن جعفر، شقيق بطرس الملقب بالشدياق، من سلالة المقدم رعد بن خاطر الحصروني الذي تولى جبة بشري في القرن السابع عشر.
فهو سليل بيت كان له ضلع في الحكم. فالشدياق بطرس كان دهقاناً ومحاسباً سنة 1715 في عهد الأمير حيدر، ثم صار سنة 1729 مدبراً لولده الأمير ملحم. وفي سنة 1737غضب الأمير عليه، فانتحر في سجنه، وضبط الأمير بيت الشدياق.
وفي سنة 1768 مات الأمير قاسم عمر الشهابي، وأقام منصوراً الشدياق وصياً على ولديه حسن وبشير- الأمير بشير الكبير أو المالطي – ثم ولي الأمير حسن، فدعا يوسف بن منصور الوصي إلى خدمته، فاستعاد دراهم التي ضبطها الأمير ملحم، واستوطن عشقوت في مقاطعة كسروان. في تلك الدار ولد أحمد فارس، ثم دارت الأيام دورتها وتعكر صفو خاطر الحاكم فنزح والد أحمد فارس إلى حدث بيروت، وباع داره إلى أبناء المير يوسف ومن تلك الدار فر أحمد فارس، بعد أن مر في أطوار كثيرة، من طالب علم في عين ورقة، إلى فتى ينسخ الكتب، إلى كاتب عند (المير حيدر) صاحب التاريخ المعروف باسمه، وقد سماه أحمد فارس في فارياقه – بعير بيعر – وتندر عليه وعلى تاريخه ما شاء، وأبت الأقدار، إلى أن توالي ضرباتها على هذا البيت، فكانت نكبة أخيه أسعد وكان لها أبعد الأثر في حياة أحمد فارس، ففر من لبنان إلى مصر، ولم يلحقه ظفر جارح كعبد الحميد، فعاش طويلاً للأدب الخالص.
وفي ظلال ذلك الوادي الأمين طفق الطائر يغرد، وأعجب الناس ترجيعه، فاجتر ومضى على سننه، يعبث بالعرف و العادة والتقليد.وعهد إليه في تحرير الوقائع المصرية، فبرز في ذلك الميدان. وشاءت الأقدار فمدت يدها الجبارة فإذا بالشدياق في مالطة يعلم الأمريكان ويصحح ما يطبعون من كتب، ويؤلف كتاباً فريداً قال فيه الأستاذ جبر ضومط في كتابه فلسفة اللغة العربية وتطورها (وجد الشدياق فوجد كتاب الواسطة وكتاب كشف المخبا وسائر كتاباته الأدبية البالغة مبالغها من الطلاوة و الحسن)).
وتستدعيه وزارة خارجية إنجلترا ليعاون الدكتور ((لي)) في ترجمة التوراة وتنقيحها، فيقيم في لندرة وضواحيها سنوات، وصفها لنا أطرف وصف في كتابه كسف المخبا عن أحوال أوربا. ثم يغادرها إلى باريس، وهناك يطبع كتابه الخالد ((الفارياق)). وفي غضون إقامته بباريس ألّف سر الليال و الجاسوس على القاموس، ومنتهى العجب في خصائص لغة العرب. وفي باريس يمدح أحمد باشا باي تونس بقصيدته المشهورة ((زارت سعاد)) فاستقدمه إليه على مدرعة وجهت خصيصاً ليبحر الشدياق وعائلته عليها، فعجب لهذا الإكرام العظيم وقال في فارياقه: "لعمري ما كنت أحسب أن الدهر ترك للشعر سوقاً ينفق فيه " [الساق على الساق، ص 316].
¥