قبل ظهور الإسلام، كانت النصرانية هي الديانة الرسمية لأهل جورجيا وذلك منذ عام 533م بعد أن غزاها الرومان ثم البيزنطيين، غير أن الإسلام وصل إلى هذه المناطق مبكرًا جدًا, حيث وصلها المسلمون في عام 25 هجريًا بعد فتح أرمينيا وأطلق عليها المسلمون اسم "بلاد الكرج" أو "كرجستان" ويتضح من الاسم قربه الشديد من الاسم الحالي للبلاد وهو "جورجيا".
وشهدت جورجيا في ظل الإسلام ازدهارًا كبيرًا حتى باتت مدينة "تفليس" (وهي العاصمة الجورجية اليوم والتي تدعى تبليسي) عاصمة لإمارة إسلامية قوية في هذه المنطقة.
وتمتعت بلاد الكرج بصلات وثيقة مع الدول الإسلامية المتعاقبة مثل سلاجقة الروم (1077 - 1299) ومن بعدها الدولة العثمانية (1299 - 1923).
ومع صعود روسيا كقوة إقليمية في عهد القياصرة، بدأ المسلمون يتمركزون في مناطق معينة في جورجيا، كانت أهم هذه المناطق، منطقة "أبخازيا"، و"أجاريا"، وأوسيتيا الشمالية، فضلا عن وجودهم في المناطق الأخرى.
وظلت أبخازيا دولة مستقلة حتى عام 1911م، وفي أعقاب انتصار الثورة البلشفية في روسيا، سمح لينين للمسلمين الأبخاز عام 1921م بإقامة دولة مستقلة لهم سميت وقتها (بلاد الأباظة المسلمة)، واستمرت هذه الجمهورية المستقلة تحكم نفسها بنفسها بواسطة دستورها الخاص لمدة عشر سنوات حتى عام 1931م عندما أمر جوزيف ستالين بضم أبخازيا (المسلمة) لجورجيا (المسيحية) كجمهورية ذات حكم ذاتي تابعة لجورجيا.
مسلمو جورجيا في ظل العهد السوفيتي:
عانى مسلمو جورجيا مثلما عاني بقية المسلمين في أنحاء الاتحاد السوفيتي من سياسات القمع الشيوعية والتي تمثلت في التهجير والنفي والتوطين القسري والذي استخدمه ستالين بقوة ووحشية في الثلاثينيات ضد المسلمين بشكل خاص.
وأدت هذه السياسات إلى هدم خريطة أبخازيا الديموجرافية، وأعادت تشكيلها من جديد فقد دفعت الحكومة المركزية الشيوعية بأعداد كبيرة من الروس والأرمن والجورجيين إلى أبخازيا حيث تم غرسهم في أرض ليست أرضهم في الوقت الذي نفت فيه تلك الحكومة عائلات جمّة من الأبخاز إلى خارج أرضهم وديارهم فتقلص تعداد سكان أبخازيا الأصليين من المسلمين وتدنت نسبتهم وصاروا أقلية في بلادهم بعد أن كانوا الكثرة الغالبة.
فكان الأبخاز يمثلون 85% من السكان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لكنهم بعد عمليات التهجير لهم مقابل عمليات الإحلال لجنسيات أخرى صاروا يشكّلون 17% فقط.
وبلغت السياسات الشيوعية أوجهها حتى اضطر المسلمون معها إلى الهجرة خارج أراضيها، وانتشروا في مصر (وإلى الأبخاز تنتسب عائلة أباظة الشهيرة) والأردن وتركيا وسوريا.
وكما هو المعتاد، فقد تركّزت حملة الإبادة بصفة خاصة على المثقفين من الأبخاز، وإمعانا في طمس الهوية واندثار التاريخ قامت جورجيا من جهتها بإحراق الأرشيف الوطني، ودار المتحف الوطني، ومعهد الأبحاث العلمية واللغوية في محاولة لقطع جذور هذا الشعب من التاريخ.
غير أن المسلمين هبوا أكثر من مرة للمطالبة بحقوقهم ورغم قسوة الحملات الشيوعية التي استهدفت المسلمين فإن ذلك لم يثنيهم عن استمرارهم في المطالبة بالاستقلال.
وفي عهد خروشوف هب المسلمون مرة أخرى للمطالبة بحقهم في الاستقلال لكن السلطات السوفيتية ردت عليهم بحملة وحشية حتى قضت على حركتهم.
وتكررت الثورة الشعبية في سنوات 1978 و1981 وكادت تصل إلى حالة الحرب، واستمرت القلاقل في أبخازيا حتى نهاية عقد الثمانينيات، وهكذا قوبلت أي تحركات للأبخاز على امتداد ستة وستين عاما (1926 - 1992م) للمطالبة بالاستقلال بالقمع الوحشي كما قوبلت أي مطالبة بالحقوق المشروعة بالرفض التام والتهديد بالانتقام.
استقلال أبخازيا:
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، ألغت سلطات جورجيا برئاسة "إدوارد شيفرنادزة" الدستور الجورجي الذي كان يحمي حقوق الأقليات ويسمح بجمهوريات ذات حكم ذاتي، وكان من الطبيعي أن ترد سلطات أبخازيا بإعلان استقلالها وعودتها لدستور عام 1925م، وبالتالي سيادة المسلمين على إقليمهم الذي يُعَدّ أحد الطرق الإستراتيجية الهامة التي يطل منها الاتحاد السوفيتي القديم على موانئ البحر الأسود والمياه الدافئة.
¥