تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويبدو أن سبب ذلك هو وقف المعونات المالية، ونزع سلاح القبائل، وفرض التجنيد الإجباري على البدو. وحاولت إدارة الخط الحديدي الحجازي إتمام نواقص المحطات التي اعتدى عليها البدو حتى محطة جرف الدراويش (82)، وبعد الاطلاع على ما جرى للعاملين في هذه المحطات، وجد أن بعضهم مقتول في محطته، ومن بين هؤلاء طبيب شعبة معان علي بك، حيث بلغ مجموع القتلى من مأموري الخط الحديدي، في هذه الفترة، ستة أشخاص (83).

ـ[أبو سليمان العسيلي]ــــــــ[06 - 09 - 09, 03:25 ص]ـ

وقدرت الحكومة العثمانية حجم الأضرار بالخط الحديدي بحوالي (80.000) ليرة عثمانية (84). ولم تغض الدولة العثمانية النظر عن ممارسات البدو السابقة واعتداءاتهم على السكة ومحطاتها، التي كانوا ينفذونها تضامناً مع ثورة الكرك عام 1910م (1328هـ)؛ لذلك كلفت الدولة القائد العام سامي الفاروقي قيادة حملة سميت بالحملة الحورانية، ضد هذه القبائل، لتأمين حركة القطارات؛ فقام رئيس الهيئة الحربية في الحملة صلاح الدين بك بقيادة قوة نحو الكرك، وقوة أخرى بقيادة نورس بك باتجاه أم الرصاص؛ لتأديب القبائل التي هاجمت القوات العثمانية في المحطات الآتية: أم الرصاص، وعمان، والقطرانة، وضبعة (85).

وكانت الحملة الحورانية مؤثرة، حيث استطاع قائد مفرزة التعقيب في أيار (مايو) عام 1911م (جمادى الأولى عام 1329هـ)، جمع بعض الأسلحة التي بحوزة البدو؛ إذ كان عددها (88) قطعة سلاح تمّ جمعها من قبيلة بني صخر، وقطعتين من عشيرة العقيل. وتعقب قائد المفرزة عشيرة الخريشة بالقرب من الزرقاء، كما أدبت قواته عشيرتي: زيد والهقيش في أراضي الغليطة ووادي حزيم، حيث استردت القوات العثمانية المنهوبات (أسلحة وأدوات تتعلق بالخط الحديدي) من هؤلاء البدو، وألقت القبض على شيوخهم (86).

وانتهت مهمة القوات العثمانية، بعد تأديب قبيلة بني صخر وخاصة عشيرة الخريشة، واستردادها لجميع ما نهبه البدو؛ كما قبضت على بعض شيوخهم، مثل محمد دخيلان، وهزيمة بن حامد من بني صخر، وشيخي قبيلة بني خالد: طالب متعب، وفارس القاضي، وشيخ قبيلة السرحان محمد بن بالي، وسائل بن عبده من عشيرة "النخود"، وجميعهم من القبائل البدوية في منطقة شرقي الأردن، اشتركوا في الهجوم على معان ضد القوات العثمانية؛ لذلك أُدخلوا سجن دمشق، وعادت القوات العثمانية إلى درعا، بعد إنجاز مهمتها السابقة (87).

واستطاعت الدولة العثمانية بعد سلسلة الإجراءات السابقة، إخضاع القبائل البدوية في منطقة شرقي الأردن لنفوذها، خاصة بعد تمكنها من القضاء على ثورة الكرك عام 1910م (1328هـ)؛ لذلك جددت بعض هذه القبائل علاقتها مع الدولة؛ فبنو صخر استمروا يتلقون الصّرة مقابل حماية الحجاج، رغم موقف بعض شيوخهم ومحاربتهم القوات العثمانية في المنطقة، حيث ذكر صاحب الرحلة التنوخية، الذي زار المنطقة في الفترة ما بين 1914 - 1916م (1332 - 1334هـ)، أنه حلّ ضيفاً على أحد شيوخ بني صخر شاهر الخريشة ابن عم حديثة الخريشة في عام 1914م (1332هـ)، حيث كان يسكن هو وعشيرته بالقرب من الزرقاء، وأشار إلى أن شاهر الخريشة كان مسافراً إلى دمشق آنذاك؛ بهدف تسلّم الصّرة المخصصة لعشيرته سنوياً من السلطات العثمانية (88).

وحرصت القبائل البدوية في الحجاز على منع مد الخط الحديدي الحجازي إلى مكة وجدة، وتخريب الخط إن أمكن ذلك. وكان الخط هو العدو الأول لأصحاب الجمال من القبائل؛ فحطموا أجزاء منه تمر بديرتهم ما بين 1912 - 1914م (1330 - 1332هـ) (89)؛ وذلك لعدم رضاهم عن هذا الخط الذي قطع مورد رزقهم من الحجاج إلى حد ما، وقد قام شريف مكة بإصلاحه. وازداد التخريب بعد إعلان الثورة العربية عام 1916م (1334هـ)، حيث قامت بتدمير الخط الحديدي، ونسفت أماكن عدة منه، وقد تعطل الخط الذي يبلغ طوله حوالي (1303) كيلومترات في عام 1917م (1335هـ)، وأصبح مجرد قضبان حديدية محطمة (90).

الخلاصة: يتبيّن لنا مما سبق أن القبائل البدوية، التي كانت تسكن بالقرب من طريق الحج الشامي، خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، سواء كانت قبائل شامية أو حجازية، اهتمت بموسم الحج، وأولت القافلة حرصاً كبيراً للاستفادة من مردودها المالي، الذي كان ينعكس على البدو بشكل عام، سواء كان الذي يتقاضونه من مال الصرّة، أو من خلال تأجير الجمال للحجاج وخدمتهم، وبالتالي الحصول على المال مقابل هذه الخدمة، أو عن طريق نهب القافلة في حالات كثيرة كما مرّ معنا، لذلك أصبح البدو وتعاملهم مع القافلة يشكل هاجساً للعثمانيين، الذين تراوحت علاقتهم مع البدو في حالات كثيرة بين مدّ وجزر، والغالب على هذه العلاقة هو البرود، بل أحياناً النزاع ما بين الطرفين، لظروف القبائل البدوية الاقتصادية السيئة. لقد أثبتت الدراسة أن الدولة العثمانية كانت حريصة في أغلب الأحيان، على استرضاء القبائل البدوية، والاستفادة من خدماتها أثناء موسم الحج، ولكن عندما كان بعض المسؤولين العثمانيين يمنعون الأموال التي كانت تخصص للقبائل، كان زعماء هذه القبائل يتعرضون لقافلة الحج، وتحدث مواجهات مع العثمانيين، وإن كانت قليلة مقارنة بالفترات السابقة (القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين).

كما أثبتت الدراسة أن مد الخط الحديدي الحجازي بين دمشق والمدينة المنورة قد أثر على وضع القبائل البدوية المادي، لذلك رفضت القبائل مد الخط الحديدي الحجازي، بل قاومته، وشنت هجمات عدة على المحطات والعمال، وحاولت إعاقة العمل ما بين (1318 - 1326هـ/1900 - 1908م)، الفترة الزمنية التي استغرقها إنجاز الخط. وهذا ينفي ما ذكره بعض الباحثين (91)، من أن القبائل البدوية في جنوب سوريا وشرقي الأردن، التي يمر الخط في أراضيها، لم تسهم في المقاومة، بل اقتصرت المقاومة المسلحة على القبائل المقيمة حول المدينة المنورة التي مدّ في مناطقها الخط. ورغم محاولات المسؤولين العثمانيين التي بذلت من أجل استرضاء زعماء القبائل، إلا أن الاعتداءات استمرت ضد الخط الحديدي ومرافقه؛ لذلك استخدمت الدولة العثمانية القوة مع هذه القبائل، فأدبتها، وعاقبت من تسبب في تخريب الخط الحديدي الحجازي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير