ولقد عوض ما فاته من التلقي على يد شيوخ الجماعة الأول أمثال الشيخ محمد حامد الفقي والشيخ أو الوفاء درويش؛ لأنه كان حريصًا على معرفة إنتاجهم العلمي في كتبهم وفي مجلة الهدي النبوي التي كانت تصدر عن أنصار السنة المحمدية.
وقد شغل الشيخ رحمه الله منذ الثمانينات وظيفة أمين عام الدعوة زمن رياسة الشيخ محمد علي عبد الرحيم، وكانت له مساهمات كبيرة في الكتابة في مجلة التوحيد، حتى إذا صار رئيسًا للجماعة أولى مجلة التوحيد عناية فائقة وساهم في تطويرها والكتابة فيها والفتيا على صفحاتها، حتى شبت عن الطوق، وانتشرت في غالب بلاد العرب والمسلمين، وبلغ مجمل ما يطبع منها مائة ألف نسخة.
مساهماته في خارج البلاد
لم يكتف رحمه الله بما كان يقوم به من إلقاء الخطب والدروس اليومية في فروع ومساجد الجماعة، بل امتد نشاطه إلى خارج البلاد محاضرًا في بلاد الغرب، كما شهد عددًا كبيرًا من المؤتمرات العلمية التي كانت تعقد لمناقشة هموم الدعوة والمسلمين.
وكان آخر مؤتمر برياسته هو المؤتمر الذي عقد بالمركز الدولي لدعاة التوحيد والسنة بمسجد العزيز بالله، وقد انتهت أعماله قبل سفر فضيلته إلى السعودية بيومين تقريبًا، وكان شعار المؤتمر ((القدس)).
مساهماته في الصحافة الدينية
كان رحمه الله يحسن استقبال الصحفيين ويدلي لهم بأرائه، وكان مرتب الفكر والمنهج بارعًا في الرد على ما يثيره الصحفي من علامات استفهام حول بعض المسائل الخلافية، وكان يتكلم عن منهج الجماعة ورجالها ومسيرتها ولا يتكلم عن نفسه، وقد تم ذلك بأسلوب واضح وعبارات تدل على أن الرجل عالم فطن عزيز العلم واضح المنهج.
ومن أبرز حواراته ما كان على صفحات اللواء الإسلامي مع فضيلة شيخ الأزهر د. محمد سيد طناوي يوم أن كان مفتيًا للجمهورية، ود. أحمد عمر هاشم من جهة، والشيخ صفوت نور الدين، وصفوت الشوادفي من جهة أخرى.
والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
أما عن منهجه في إدارة شئون الجماعة وسياسة رجالها، فقد كان رحمه الله حريصًا كل الحرص على مال الجماعة، وكان رحمه الله يحمي إخوانه من غيرهم، بل وأحيانًا من أنفسهم، وأشهد الله أني لم أر رجلاً له قبول عند الناس بعد الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله إلا الشيخ صفوت نور الدين.
ومما يدل على غزير أدبه ومحبته لأنصار السنة أنه كان يقول لكل واحد منا: لا تهلك نفسك، نريدك معنا.
ومن عجب أنه قال لي تلك العبارة، قبل سفره بيوم: لا تهلك نفسك، نريدك معنا.
وكان يشعر كل واحد منا أنه له فائدة كبيرة، وأن وجوده مهم لمسيرة الدعوة، ولا ننسى أن من صفات القائد لهذه الجماعة أنه كان يلقى الناس بوجه طلق، وأنه كان يحقق قول الرسول الكريم: ((تبسمك في وجه أخيك صدقة)).
أما إخلاصه في محبته إخوانه الشيوخ الذين سبقوه في الجماعة فحدث ولا حرج، لقد كان حريصًا بل شغوفًا بمعرفة كل جوانب حياتهم ومعارفهم وأخلاقهم وإنتاجهم العلمي وبحوثهم وكتبهم وآرائهم، وكان كثيرًا ما يقول لي عندما أعرض عليه مشروع إخراج بعض كتابات السابقين: ((اكتب يا شيخ فتحي حتى يعرف الإخوة أننا على نفس المنهج كتاب الله وسنة رسوله بفهم سلف الأمة)).
ولقد قدم لمجموعة من كتب تراث شيوخ الجماعة مثل كتاب شرح أحاديث الأحكام للشيخ حامد الذي يشعر بسعادة كبيرة كلما أخبرته عن قرب تمام الكتاب، وقد قدم لكتب كثيرة أصدرتها الجماعة، ولكن تلك المقدمات لم تكن مدحًا وتقريظًا مطلقًا، بل كانت تحمل نظرة واعية وفهمًا جيدًا لمسيرة الجماعة، مما يمكن أن نسميه ((نظرات في منهج ومسيرة الجماعة)).
مكانته عند العلماء
كانت للشيخ مكانته العلمية عند سائر الجمعيات الدينية والهيئات العلمية في مصر، أما مكانته خارج البلاد فقد كان رحمه الله صاحب مكانة خاصة عند الشيخ عبد الرزاق عفيفي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية السابق ونائب رئيس لجنة الفتوى بالسعودية، وكان بينهما مراسلات كثيرة، كما كان له من المكانة اللائقة به ولجماعته عند سماحة الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن حميد والسبيل والفوزان والعديد من علماء بلاد الجزيرة.
وكانت له أيضًا مكانة عند الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والشيباني بالكويت.
ولا أجد ما أقوله لأنصار السنة إلا ما قاله الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي عند وفاة الشيخ محمد حامد الفقي مؤسس الجماعة، حيث نصح أنصار السنة بالآتي:
((اعملوا يا أنصار السنة على تطهير القلوب والعقول، وخصوصًا في هذا الزمن الذي كثر فيه إلحاد الماديين، واستهتار الجهلة بالدين، فاصبروا وصابروا يا أنصار السنة، فبالابتلاء يمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، وعليكم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من تبليغ دعوة التوحيد إلى الناس أفرادًا وجماعات)).
رحم الله شيخنا الحبيب رحمة واسعة، وأسكنه أعلى عليين في الجنة مع الأنبياء والشهداء والصالحين، واللهم ألهم آله الصبر، واخلفهم خيرًا. والله من وراء القصد.
¥