تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد سمعتُ هذه القصّة أكثرَ من مرّةٍ، من أكثرَ من مصدر ٍ، وبمثل ِ هذهِ الأخبار ِ والقصص ِ يتبيّنُ للجميع ِ، أنَّ هذه المكانة َ السامية َ للشيخ ِ، والمنزلة َ العالية َ، إنّما بلغها بالعبادةِ والزهدِ والانقطاع ِ إلى اللهِ، وبالعمل ِ الصالح ِ والعلم ِ النافع ِ، إذ أعرضَ عن القيل ِ والقال ِ، وتفرّغَ لبناءِ نفسهِ وإصلاح ِ حالهِ، فآتاهُ اللهُ ثمرة َ ذلكَ في الدّنيا علوّاً في الدرجةِ، ورِفعة ً عندَ الخلق ِ، وما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى بإذن ِ اللهِ.

وبمثل ِ هذهِ الأعمال ِ الصالحةِ والذخائر ِ العظيمةِ، حفِظَ اللهُ شيخَنا في علمهِ ونفسهِ وعقلهِ، وبوّأهُ رُتبة ً عظيمة ً، ووقعَ للشيخ ِ من القصص ِ ما يُؤذنُ أنَّ ذلكَ حفظ ٌ من اللهِ لهُ، وعناية ٌ ربّانية ٌ خاصّة ٌ، فكثيراً ما كانَ الشيخُ يقودُ سيّارتهُ مسافاتٍ طويلة ً وهو نائمٌ، لا يدري عن الطريق ِ، ويستيقظ ُ فجأة ً وهو قريبٌ من أحدِ الحواجز ِ، أو على وشكِ الجنوح ِ إلى جانبِ الطريق ِ، وقد سمعتُ هذا بنفسي من الشيخ ِ، ولم أشكَّ قطُ – حينَ حدّثني بها - أنَّ هذا من حفظِ اللهُ لهُ ورِعايتهِ بهِ، كأنّما يُهيّئهُ لأمر ٍ عظيم ٍ.

ومن أعظم ِ ما يدلُّ على مناقبِ الشيخ ِ ومكانتهِ، قصّة ٌ وقعتْ وانتشرتْ في أوساطِ النّاس ِ في المدينةِ النّبويّةِ، وهي حادثة ٌ معروفة ٌ، مُلخّصُها أنَّ رجلاً – واسمهُ معروفٌ - من هواةِ التصنيفِ والوقوع ِ في الأعراض ِ، لمزَ شيخنا في عرضهِ ووقعَ فيهِ بكلام ٍ بذيءٍ مُستقبح ٍ، لا يجترأ قلمي على ذكرهِ مُخبراً بهِ وآثراً، فكيفَ بي أن أقولهُ مُعتقداً لهُ!، وروّجَ ذلكَ الأفّاكُ الأثيمُ الكلامَ على الشيخ ِ، ونشرهُ بينَ النّاسَ، فدعا عليهِ شيخُنا، وواللهِ ما مرّتِ الأيّامُ إلا والرّجلُ يُلقى عليهِ القبضُ في قضيّةٍ أخلاقيّةٍ وهي اللواطُ – أجارنا اللهُ وإيّاكم منها -، بعدَ أن افترى على شيخِنا وقذفهُ في عرضهِ، وهكذا ينتصرُ اللهُ لأوليائهِ، ويذودُ عنهم.

ولعلَّ هذا يكونُ ذكرى لإخوانِنا الذين ابتلوا بالوقيعةِ في أعراض ِ أهل ِ العلم ِ، أن يستلهموا منها العظة َ والعبرة َ، قبلَ أن يقعوا في شركِ الفضيحةِ في الدّنيا، وسوءِ الخاتمةِ عندَ الموتِ.

وللشيخ ِ موقفٌ مُباركٌ في رعايةِ حقِّ الجماعةِ وولاةِ الأمر ِ، فهو يرى طاعتهم والسمعَ لهم، وحينَ وقعتِ الأحداثُ الأخيرة ُ بادرَ باستنكار ِ ذلكَ والتشنيع ِ على فاعلهِ، وحثَّ الشبابَ على لزوم ِ الكتابِ والسنّةِ، وعدم ِ الخروج ِ على ولاةِ الأمر ِ، ودعاهم إلى ضبطِ سلوكِهم وأحوالِهم، وترشيدِ حماسِهم وتهدئةِ فورتِهم، وذكرَ الولاة َ بخير ٍ ودعا لهم بالحفظِ والصلاح ِ، وهذا هو موقفُ أهل ِ الحكمةِ والعدل ِ في الأحداثِ الجسام ِ، أن يكونوا مع الجماعةِ، ويقفوا في صفِّ الأمّةِ، وأن لا يشقّوا عصا الطاعةِ أو يُحدثوا ثلمة ً يلِجُ منها الأعداءُ.

وفي ذاتِ الوقتِ كانَ شيخُنا من أشدِّ النّاس ِ تأثّراً بحال ِ إخوانهِ من المسلمينَ في الخارج ِ، وقد سمعتهُ كثيراً ما يقنتُ لهم، ويُذكّرُ بحقهم، بل كانَ يبكي بكاءً شديداً عندما تقعُ حادثة ٌ للمسلمينَ أو مظلمة ٌ، ويدعو النّاسَ للدعاءِ لهم، والصدقةِ عليهم، والقنوتِ في الصلواتِ، فهو رجلٌ يحملُ همَّ إخوانهِ، ولا تكادُ تمرُّ حادثة ٌ إلا وذكّرَ بما وقعَ لهم، وقنتَ لهم وبكى تأثّراً بحالهم ومصابِهم.

وأختمُ بأمرين ِ:

أوّلهما: أمرُ الشيخ ِ بالمعروفِ ونهيهُ عن المنكر ِ، فهو آمرٌ بالمعروفِ ناهٍ عن المنكر ٍ، يقومُ بحقِّ اللهِ في هذا الأمر ِ، ومن ذلكَ أنَّ مجموعة ً من الرافضةِ – عليهم من اللهِ ما يستحقّونَ – كانوا قد تحلّقوا وقوفاً في المسجدِ النبويِّ الشريفِ، وأوعزوا إلى أشقاهم أن يقومَ ويُشعلَ سيجارة ً ويُدخّنَ في باحةِ الحرم ِ، وهم حولهُ يحوطونهُ ويحرسونهُ، قالَ شيخُنا: فلم أتمالكْ نفسي، ودخلتُ في وسطهم وصفعتُ الرافضيَّ مُخمّساً – هكذا نطقها الشيخُ – على وجههِ، فخنسَ الرافضيُّ، وولّى قومهُ الدبرَ على حالةٍ من الخزي والعار ِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير