وشيخُنا يأمرُ من يصلّي وراءَ الرافضةِ بأن يُعيدَ صلاتهُ، ولفتَ في حديثهِ عنهم – أخزاهم اللهُ - إلى أمر ٍ مهمٍّ، وهو أنَّ الرّافضة َ قليلاً ما يتوبونَ، يقولُ شيخُنا: ولعلَّ اللهَ غارَ على أعراض ِ صحابةِ رسولهِ – صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ – فقلَّ أن يوفّقَ أحدهم لتوبةٍ أو تغيير ٍ لمنهجهِ الخبيثِ.
الثاني: لُطفُ الشيخ ِ وظرفهُ وسعة ُ أخلاقهِ، وهذا أمرٌ يعرفهُ عن الشيخ ِ من لزمهِ أو صحِبهُ، أنّهُ فكِهُ الخلق ِ، لطيفُ الرّوح ِ، ليّنُ العريكةِ، كثيرُ البشر ِ والمُلاطفةِ والمُداعبةِ لطلاّبهِ وأصدقاءهِ، أذكرُ مرّة ً أنّهُ دعا بدعوةٍ في محفل ٍ بأن يقبضهُ اللهُ ويُميتهُ في المدينةِ النبويّةِ، فجلجلَ المجلسَ وصدحوا قائلينَ: آمين!، فقلتُ بصوتٍ مرتفع ٍ: اللهمَّ أجمعينَ!، فقالَ شيخُنا وهو يبتسمُ: لا ما يصير كذا!، بعدين يصير زحمة.
ومرّة ً كنّا في أحدِ القرى معهُ، وفي المجلس ِ أخلاطٌ من جُفاةِ الأعرابِ، وقليلي العلم ِ، ولا يعرفونَ حقَّ أهل ِ العلم ِ أو طريقة َ مُخاطبتهِم، فبادرَ أحدُهم شيخنا بالسؤال ِ وقالَ: يا شيخ لو فيه رجلين أحدهم مزيّن لحيّته والثاني مدخّن، مين يصلّي إمام؟!، قالَ شيخُنا وهو يبتسمُ: صلّ إنت، أنت مو مزيّن لحيتك ولا شارب للدخان، فضحك المجلسُ، وكانَ غرضُ الشيخ ِ أن يلفتَ النّاسَ إلى السؤال ِ عن مسائلَ ذاتِ فائدةٍ مباشرةٍ، ولهذا ابتدرتُ المجلسَ وسألتُ سؤالاً يُهمُّ الجميعَ، فنظرَ إليَّ الشيخُ وقالَ: إيه هذي هي الأسئلة اللي نبغاها.
ومن رأى الشيخ َ علِمَ أنّهُ صاحبُ ابتسامةٍ لا تكادُ تُفارقُ وجههُ، حتّى في أحلكِ الظروفِ، وأشدِّ المواضع ِ، فلا تراهُ إلا وهو يهشُّ ويبشُّ، ويبتسمُ ويُبدي لكَ السرورَ، وإذا سلمتَ عليهِ فإنّكَ تخرجُ من وراءِ ذلكَ بشعور ٍ أجمعَ عليهِ من يعرفُ الشيخ َ أو يسلّمُ عليهِ: وهو أنّهُ يعرفكَ وبينكما صُحبة ٌ!، فلا ينزعُ يداً، أو يكفُّ عن ترحيبٍ، أو يقطعُ ابتسامة ً، حتّى تفعلَ أنتَ ذلكَ، وهذا من عظيم ِ خلقهِ وسعةِ صدرهِ.
على أنَّ فيهِ حدّة ً تكادُ تُقرأ من كلامهِ وأسلوبهِ، فينثالُ من جنباتِ بعض ِ حديثهِ وهجُ الحدّةِ، وزفرة ُ القوّةِ، إلا أنّهُ يكسرُ ذلكَ كلّهُ بالحلم ِ، ويردُّ نفسهُ إلى طبيعةِ التروّي.
كما أنّهُ تامُّ المروءةِ وافرُ الخلق ِ، لا يوجدُ عندهُ ما يقدحُ في مروءةٍ أو يشينُ في طبع ٍ، وإنّما هو العدلُ والوسطُ في الخلق ِ والطبيعةِ، مع عفافٍ تامٍّ، وتصوّن ٍ عظيم ٍ، وغيبةٍ مأمونةٍ، وحرص ٍ على أسبابِ السلامةِ، وبُعداً عن البدع ِ والأهواءِ.
وهذهِ الأخلاق ُ الكريمة ُ والشمائلُ الحميدة ُ، جعلتْ طلاّبهُ يحرصونَ كلَّ الحرص ِ على التشبّهِ بهِ، في سمتهِ ودلّهِ وهديهِ وهيئتهِ، ومن حضرَ دروسهُ فسيرى عجباً، من تعظيم ِ الطلبةِ لهُ وتوقيرهُ، وإظهار ِ الإجلال ِ لهُ، والكثيرُ منهم يحرصُ أن يتزيّا على طريقةِ الشيخ ِ، وذلكَ أنّهُ يحرصُ على لبس ِ الغترةِ البيضاءِ، ويحسرُ جبهتهُ، ويجعلُ غترتهُ في الربع ِ الأوّل ِ من طاقيّتهِ، وهذه الطريقة ُ في التزيّي امتثلها طلاّبهُ، وساروا عليها، لقوّةِ ما أثّرهُ الشيخ ُ فيهم، فقد وسِعهم بأخلاقهِ وفضائلهِ، واستحوذ َ على قلوبِهم بشمائلهِ، حتّى صارَ منهم ملءَ السمع ِ والبصر ِ والجوانح ِ، وبمثل ِ هذهِ الكرائم ِ من الأخلاق ِ، والنجائبِ من الخِلال ِ، فاقَ الشيخ ُ أقرانهُ وألجمَ خصومهُ، وصدقَ الشّاعرُ إذ يقولُ:
قاتلْ عدوّكَ بالفضائل ِ إنّها ********** أمضى عليهِ من السّهام ِ النُفّذِ
بقيَ أن أذكرَ لكم أنَّ شيخَنا لم يتزوّجْ بعدُ، وقد ذكرَ سببَ ذلكَ أنّهُ مبتلى ببعض ِ العلل ِ والأمراض ِ، التي تنتابهُ بين حين ٍ وأخرى، فإن قدّرَ اللهُ لهُ وتزوّجَ فهذهِ طريقة ُ أنبياءِ اللهِ ورسلهِ – عليهم صلواتُ اللهِ وسلامهُ -، وإن حالَ بينهُ وبينَ الزواج ِ عرضٌ أو مرضٌ، فكم من إمام ٍ مفوّق ٍ لم يتزوجَ وملأ علمهُ الخافقينَ، كابن ِ تيميّة َ والنووي وغيرِهم – رحمة ُ اللهِ عليهم أجمعينَ -، نسألُ اللهَ أن يكتبَ لشخِنا الشفاءَ العاجلَ، وأن يمدَّ في عمرهِ ويحفظهُ، ويُبقيَهُ ذخراً للإسلام ِ والمُسلمينَ.
هذه قطوفٌ يسيرة ٌ من حال ِ شيخِنا، كتبتُها على عجل ٍ دونَ ترتيبٍ لها أن مراجعةٍ، والذّهنُ مكدودٌ والخاطرُ هائمٌ في أوديةِ الدّنيا، والجسمُ قد لعبَ بهِ البردُ وفتَّ في عظامهِ، لعلَّ اللهَ أن يُحيي بها رُفاتَ الفكر ِ البائدِ، أو رميمَ القلمَ الجانح ِ، فنحنُ بحاجةٍ إلى أمثال ِ هؤلاءِ الأئمّةِ الأعلام ِ، وإلى من يُسدُّ فراغهم، فقد تصرّمَ جيلُ العلماءِ الكبار ِ، وبقيَ منهم طائفة ٌ يسيرة ٌ، ولا ندري ماذا يُحدثُ اللهُ من أمر ٍ، فإن لم نبتدر ِ الغاية َ، ونستبقْ إلى العلياءِ والمجدِ، في العلم ِ والعِبادةِ والصلاح ِ، فإنَّ حالنا ستكونُ مشينة ً، وخاتمة ُ فكرِنا ستكونُ غيرَ سديدةٍ، ولن تُغني عنّا المدائحُ أو الأهاجي، وإنّما هو العلمُ والعملُ، واللهُ المستعانُ.
دمتم بخير ٍ.
أخوكم: فتى.
==========
تموتُ النّفوسُ بأوصابها ********* ولم تدر ِ عوّادها ما بها
وما أنصفتْ مهجة ٌ تشتكي ********* أذاها إلى غير ِ أحبابها
¥