تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(واشتهر لأهل السنة فيه ثلاثة مذاهب، المذهب الأشعري الذي كان مبنيا على ما وضعه الأشعري في بعض كتبه، ولكن واضعه الحقيقي هو أبو بكر الباقلاني ثم القاضي حسين الشافعي، وبعدهما إمام الحرمين الجويني، وهذا المذهب انتشر واشتهر بكتابة الأصوليين فيه كأبي حامد الغزالي وبعده الآمدي والفخر الرازي وغير هؤلاء من أساطين هذا العلم، المذهب الثاني مذهب أبي منصور الماتوريدي، الذي اشتهر لدى الحنفية، وأخذ به كثير منهم، وقد ألف على هذا المذهب عدد من المؤلفين، فأبو منصور نفسه ألف كتابه في الاعتقاد، ثم بعده ألف النسفي كتابه كذلك على هذه الطريقة، ثم جاء بعد النسفي عدد من الذين شرحوا كتابه وانطلقوا منه وتوسعوا فيه، والمذهب الثالث مذهب الحنابلة الذي قد اشتهر من أوائل المؤلفين فيه البَرْبَهاري الذي ألف كتاب السنة، وبعده التميمي وأبو يعلى وابنه وعدد من المؤلفين الذين سلكوا هذا الطريق الذي هو قريب مما كان عليه الأوائل من المحدثين في ربط هذا العلم بالسنة، وإن كان قد انفرد ببعض الجزئيات والتقسيمات التي ليست هي في طريقة المحدثين الأوائل.

ـ وإنما كانت هذه المذاهب الثلاثة من مذاهب أهل السنة لأنها لم يكن أصحابها ينطلقون من الابتداع وإنما كانوا يجتهدون في طلب الحق ويعتمدون على الدليل من الوحي، فما أصابوا فيه فلهم فيه أجران وما أخطؤوا فيه عذروا فيه باجتهادهم، فالحنابلة والأشاعرة والماتريدية، بهذا المعنى كلهم من مذاهب أهل السنة، وليس معنى هذا أن من كان من أهل السنة معناه أنه شهد له بالجنة، أو أن من ليس من أهل السنة أنه شهد عليه بالنار، بل المقصود أن هؤلاء يجمعهم انطلاقهم من الاجتهاد في طلب الحق، ومن أصاب منهم فله أجران في ذلك ومن أخطأ فله أجر وليس عليه وزر في خطئه، فليسوا من المبتدعة، وإن كان بعضهم قد أخطأ في اجتهادات كثيرة، فهذه المذاهب كلها لا تخلو من أخطاء في الاجتهاد، وبعضها أكثر أخطاء من بعض لكنها مثل مذاهب أهل السنة في الناحية الفقهية، فأهل السنة من الناحية الفقهية اليوم يشتهر من مذاهبهم أربعة المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي، وليس مذهب منها خاليا من الأخطاء، بل كلها اجتهادات رجال فيها الصواب والخطأ، لكن من المعلوم أن ما أخطأ فيه أصحابها لم يقصدوا به الرد على الله ورسوله ولم يقصدوا به الابتداع وإنما اجتهدوا في الوصول إلى الحق بقدر علمهم وبقدر ما أوتوا وعذروا فيما أخطأوا فيه، والذين يزعمون أن بعض هذه المذاهب ليس من أهل السنة يقصدون بذلك ليسوا على صواب في تلك المسألة، كالذين يقولون الأشاعرة أو الماتريدية في باب الصفات المشكلة أو الصفات التي يسمونها بالمشكلة ليسوا من أهل السنة، يقصدوا بذلك لم يصيبوا، لكن ليس معناه إخراجهم من أهل السنة بمعنى أنهم مبتدعة، فالمبتدعة هم القدرية والجبرية والمعتزلة والخوارج والجهمية والمشبهة، هؤلاء هم كبار فرق المبتدعة في ذلك الزمان، وهذه المذاهب الثلاثة الأخرى كلها مرجعها إلى النص ومأخذها من الدليل، وإن أخطأ بعضها بالاجتهاد، وإن استعمل بعضها بعض الطرق التي يستعملها المعتزلة في تقرير المذاهب من الأدلة العقلية فكذلك المذاهب السنية في الفقه استعملت أيضا ما يستعمله المعتزلة من البراهين العقلية، ومن قرأ أصول الفقه وجد ذلك واضحا، فالناس في أصول الفقه على مدرستين، مدرسة الحنفية التي تسمى بمدرسة الفقهاء، ومدرسة المتكلمين التي أخذ بها المالكية والشافعية والحنابلة، فلا بد من التَّنَبُّه لهذا، ولذلك فقد أصبح كثير من الناس اليوم يتجاسرون على بعض أئمة الدين من أهل السنة كالحافظ بن حجر والنووي والقرطبي وحتى البيهقي والحاكم النيسابوري فيقولون هؤلاء ليسوا من أهل السنة، وهذا غلط فاحش يقصدون ليسوا من الحنابلة في مذهبهم الذي هو أقرب المذاهب إلى الصواب في هذه الصفات، ولا يقتضي ذلك إخراجهم من أهل السنة بل ما أخطأوا فيه إنما أخطأوا فيه عن اجتهاد وطلب للحق، وأخذ بالدليل الذي وصل إليه علمهم، فخطؤهم في ذلك مثل الخلافات الفقهية التي يُخَطَّأُ فيها بعض المذاهب ويكون خطؤه منطلقا من مستوى ما وصل إليه علمه ومن الدليل الذي أخذ به والدلالة التي في مذهبه، وهذا التصنيف بإدخال بعض الناس في السنة وبعضهم في البدعة وهم جميعا غير مبتدعة ولا ملغين لشيء من النصوص لا يؤدي إلا إلى التعصب والشحناء والفتن ولذلك قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: لم يزل الحنابلة والأشاعرة يدا واحدة حتى حصلت فتنة القشيري ببغداد، والله يعلم أني كنت من أشد الناس حرصا على جمع الكلمة، فقد كان ابن تيمية رحمه الله من أشد الناس حرصا على جمع الكلمة بين الحنابلة والأشاعرة، وإنما اتسع الخرق على الراقع بسبب فتنة القشيري ببغداد، وكل ذلك من التعصبات المذهبية، فجمهور ما اختلفوا فيه مسائل محصورة وهي ترجع إلى أربع مسائل فقط، وما سوى ذلك لا يمكن أن ينسب إلى الأشاعرة جميعا أو الماتريدية جميعا أو الحنابلة جميعا بل هو آراء شخصية لبعض أتباع هذه المذاهب وليست هي المذهب لدى الأشاعرة ولا لدى الحنابلة ولا لدى الماتريدية، وأصحاب التعصب يأخذون أي قول قال به من انتسب إلى مذهب من المذاهب فيجعلونه ملزما لجميع من انتسب إلى ذلك المذهب، وهذا هو من التعصب البين الذي هو من عمل أهل الضلالة نسأل الله السلامة والعافية، وهو مناف للعدل والإنصاف، فلا بد من التنبه لهذا ووضع الكلام في نصابه ومحله.)

وهو موجود على الرابط:

http://www.dedew.net/text/open.php?linkid=24&PHPSESSID=3fd79a5bb74722a7f0ba1c6cbc633b7e

علماً بأن شرحه لكتاب التوحيد متوفر في التسجيلات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير