تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كتبوه وما أنشَؤُوه. ونشأ عن ذلك كله هذه الرابطة الإسلامية القوية، التي حار الغربيون في تعليلها، وكَلّتْ حِيَلُهم وقَصرت وسائلهم عن تَفْتِيتِها، فهي وحدة لا وجود لها في غير الإسلام من الأديان، تدعو تركيا إلى إنشاء سكة حديد الحجاز قبل الحرب العالمية الأولى. فتنهال التبرعات المالية من شتى بلاد المسلمين من أندونيسيا إلى مراكش. ويفرض الغربيون على تركيا شروطًا ظالمة بعد الحرب العالمية الأولى، فيثور المسلمون في الهند ثورة عنيفة تفزع الإنجليز [1] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn1). ويموت الزعيم الهندي المسلم مولانا محمد علي في لندن، أثناء دفاعه عن الإسلام في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فيُدْفَنُ في القدس الشريف حسب وصيته. وتتوالى الأنباءُ بمحاولات فرنسا السافرة، بين الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ للقضاء على الإسلام وعلى اللغة العربية، وتشجيع القومية البربرية في مراكش، فتَهْتَزُّ لذلك بلاد العرب والمسلمين. وتزداد جرائم إيطاليا الوحشية في ليبيا، فينهالُ المتطوّعون من شتى بلاد المسلمين للمشاركة في الجهاد بأموالهم وأنفسهم. ويُستشهَد عُمَرُ المختار في هذا الجهاد، فيرثيه كل شعراء العرب، ويبكيه كل المسلمين في أندونيسيا والهند. ويزدادُ خطرُ اليهود في فِلَسْطِين، فيُشغَل الرأي الإسلامي العام بذلك، ويتطوع للدفاع عنها مسلمون من شتى البلاد، ثم تقاطع الحكومات الإسلامية الدولة الدخيلة المغتصبة من بعد.

وزاد في قوة هذه الرابطة نشاطُ الدَّعوة إلى الجامعة الإسلامية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وهي دعوة صادفتِ استِجابَة قوية عند كل المُسلمين، ودعّمها الشعور بالخطر المشترك أمام الزحف السياسي والاقتصادي الذي يُهَدِّدُ المسلمين بالفناء، فتزايد عددُ الصحف التي تدعُو إلى الجامعة الإسلامية تَزَايُدًا ظاهرًا قبل الحرب العالمية الأولى، كان عددها في سنة 1900 لا يزيد عن مائتي صحيفة، فبلغ عددها سنة 1906 خمسمائة صحيفة، ثم زاد في سنة 1914 على الألف صحيفة، حسب إحصاء لوثروب ستودارد في كتاب "حاضر العالم الإسلامي".

لذلك كله كان شعور المستعمر الأوروبي بالغُرْبة، والخطر أقوى ما يكون، حين يواجه هذه الأمة الإسلامية في مختلف بلادها. ولذلك كانت برامج التَّغْرِيب مُوَجَّهَة إلى الإسلام والمسلمين بنوع خاص، وكثرتِ الكتب والمؤتمرات التي تبحث في تاريخ الإسلام والمسلمين، وفي مشاكلهم المعاصرة، وتطورهم الفِكْري والحضَاري.

وكان يزيد في هذا الشعور بالغربة وبالخطر أن تاريخ الإسلام والغرب حافلٌ بالصراع منذ ظهور الإسلام، وأنَّ الصلةَ بينهما كانت صلة جهاد وعداوة دائمًا. توسع الإسلام على حساب الإمبراطورية البيزنطيَّة في الشام، وفي آسيا الصغرى، وفي شمال إفريقية، وظلت الحرب قائمةً بينهما على امتداد التاريخ، حتى بلغتْ قِمَّتَها في الحروب الصليبية. ثم بلغ مدُّ الإسلام غايته حين احتل العُثْمانِيُّون عاصمة الدولة البيزنطية، ومقرَّ كنيستهم سنة 1543 م، وغيَّروا اسمها إلى إسلامبول؛ أي (دار الإسلام)، واتخذوها عاصمةً لدولتهم، التي توغَّلَتْ في أوروبا، وكادتْ تَكْتَسِحُها حين هدَّدتْ فينَّا سنة 1529. وظلَّ هذا التهديد قائمًا حتى 1683.

ودار الصراع بين الإسلام وأوروبا منذ القرن الأول الهجري على الأرض الأوروبية من طرفها الغربي حين سقطت الأندلس في أيدي المسلمين، وأصبحت من بعدُ مقرًّا لخلافة أموية، ولحضارة مُزْدَهِرَة لا تزال آثارها الباقية تشهد بأمجادها. ثم كانت المذابح الوحشية التي تولَّتْ فيها محاكم التفتيش المسيحيةُ إبادةَ المسلمين عقب هزيمتهم في الأندلس.

والأوروبي بعد ذلك لا يعرف عن المسلمين إلا ما قرأه من الأكاذيب التي تُشَوِّهُ صورتهم في أذهان المسيحيين، والتي تَشيعُ في كل ما كتبه الغربيون عنهم منذ الحروب الصليبية، والتي لم تخفَّ حدَّتُها إلا في نصف القرن الأخير، حين لاحظ الغربيون أن المسلمين يقرؤون ما يكتبون. وكان يزيد في حدَّة هذه العداوة صَيْحَاتُ دول البلقان، التي تستغيثُ بالدول الأوروبية، وتطلب منهم باسم المسيحية أن يُنْقِذُوها من حكم المسلمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير