تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بذلك وُجد عاملٌ جديد من صلات الإسلام بالحضارة الغربية، هو تدخُّل الغرب نفسه في توجيه هذه الصلات، والتخطيط لأساليبها ووسائلها، بينما ظلَّتْ هذه الصلات في طريقها القديم، الذي بدأ بإحساس المسلمين بالحاجة إلى إصلاح مجتمعهم؛ لكي يواجه الفساد الداخلي الذي يعاني منه المسلمون في حياتهم من ناحية؛ ولكي يواجه الخطر الخارجي الذي يُهَدِّدُ كِيانَهم من ناحية أخرى. ظلت هذه الصلات تستأنفُ سيرها في طريقها القديم، تتأثر بالعامل الجديد فتقترب منه أو تلتقي به في بعض الأحيان، وتنفر منه وتدرك خطورته فتعارضه وتهاجمه في أحيان أخرى.

إلى جانب هذين المنهجينِ وُجد منهج ثالث في بلاد العرب بخاصة، لم يعمل عملاً مُباشرًا في صلات الإسلام بالحضارة الغربية؛ ولكنه ترك أثرًا غير مباشر في تَوْجيهها. وهذا المنهج الثالث والعنصر الجديد مُمَثَّل في نصارى العرب، ونصارى الشام منهم على وجه الخصوص. كان هؤلاء النصارى من الشاميين كما كانوا يسمون - أو من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين كما نسميهم الآن – لا يشاركون المسلمين في الإحساس بالولاء القلبي الخالص للحكم الإسلامي القائم، الذي تمثّله الدولة العثمانية، وهو أمر طبيعيٌّ في أصل وجوده لا يدعُو إلى الغرابة، ولا سيما إذا أضفنا إليه فساد الدولة في آخِر أيامها، وهو فساد كان يشكُو منه المسلمون والمسيحيون، والعرب والترك على السواء. ومن أجل ذلك كانتْ آمال هذا الفريق من نصارى العرب تتعلق بالعِلْمانية الغربية، التي تقوم على الفصل بين الدين والدولة، والتي لا يتحَكَّمُ فيها الإسلام في التنظيم السياسي والاجتماعي، والتي يزُول معها إحساس المسلمين بالاعتزاز وإحساس النصارى بالذلة والانكسار الذي يخالط مشاعر الأقليَّات في أكثر الأحيان.

هذه تياراتٌ ثلاثة كانت تجري في أرض المسلمين والعرب. فلْنُحاوِل أن نَتَتَبَّعَهَا في إيجاز واحدًا تلو الآخر. وقبل أن أبدأَ الحديث عنها أحبُّ أن ألفتَ النظر إلى أمرين يجب أن يضعهما الباحث في هذا المشروع نصب عينيه؛ لكي يأمن الزلل؛ ولكي لا يضل الطريق؛ ولكي لا يُخْدَع عن حقائق الأمور.

أحد هذين الأمرين هو حاجتُنا الشديدة إلى إعادة النظر في تقويم الرجال؛ لأن كثيرًا ممن نعتبرهم دعائم النهضة الحديثة لم يُصبحوا كذلك في أَوْهَام الناس إلا بسبب الدعايات المُغْرِضة، التي أرادتْ أن تضعَهم في هذه المنزلة؛ لتحقِّق بِذَلك أغراضها في نشر مذاهبهم، والتمكين لآرائهم؛ ولأن كثيرًا من الآراء المنحرفة التي لم تكنْ تستطيعُ أن تجد طريقها إلى الفكر الإسلامي، وإلى مجتمعاته، قد أصبح قبولها ممكنًا، بنسبتها إلى هذه الزعامات وإلى هؤلاء الأئمة، الذين لا يتطرق إلى الناس شكٌّ في إخلاصهم وعلمهم. والواقع أنَّ كثيرًا من هؤلاءِ الرجال قد أُحِيطُوا بالأسباب التي تبني لهم مجدًا وذكرًا بين الناس، ولم يكنِ الغرض من ذلك هو خدمتَهم، ولكن الغرض منه كان ولا يزال هو خدمة المذاهب والآراء التي نادَوْا بها والتي وافقتْ أهدافَ الاستعْمار ومصالحه. فقد أصبح يكفي في ترويج أي مذهب فاسد في تأويل الإسلام – كما لاحظ جب في كتابه ( Modern Trends in Islam) أن يقال: إنه يوافق رأي فلان أو فلان من هؤلاءِ الأعلام. ويكفي في التشهير بأي رأي سليم أن ينسب إلى ضيق الأفق، الذي لا يلائمُ ما اتَّصَفَ به هذا أو ذلك من سعة الأفق والسماحة وصحة الفهم لروح الإسلام، على ما تزعمه الدعايات. وليس مهمًّا أن يكون ذلك عن حسن قصد منهم أو عن سوء قصد، وليس مهمًّا أن يكون الاستعمار هو الذي استخدمهم لذلك، ووضع على ألسنَتِهم وأقلامهم هذه المذاهب والآراء، أو أن تكون هذه الآراء قد نشأتْ بعيدةً عن حضانته ورعايته، ثم رآها نافعةً له، فاستغلَّها وعمِل على ترويجها. المُهِمُّ في الأمر هو أنَّ المجد الذي يُنْسَبُ لهؤلاءِ الأفراد ليس من صُنْعِهِم، ولا هو من صنع الشعوب التي عاشوا فيها؛ ولكنه من صنع القوى التي استخْدَمَتْهُمْ أو التي تريد أن تستغلَّهم، سواء كانت هذه القوى هي الاستعمار، أو هي الصِّهْيَوْنِيَّة العالمية بمختلف وسائلها وأجهزتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير