تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقول الدكتور عامر حسن صبري: "كان السيد أحمد صقر لا يعطيك شيئًا من علمه، إلا بعد أن تصبر عليه أولاً، ثم تتحدث معه في قضايا علمية معينة ليست تقليدية، ثم بعد ذلك يفيدك بما فتح الله عليه، ولقد كان أستاذًا لنا في الدراسات العليا بمكة في مادة (قاعة بحث)، وكانت المحاضرات تتم في المكتبة، وكانت طريقته أن نقرأ في مصادرَ مختلفةٍ في الأدب واللغة، والحديث والتفسير، وغير ذلك، ثم يشرح باختصار طريقة المؤلف في كتابه، ثم يذكر لنا بعض القضايا النقدية، ولقد استفدتُ منه فوائدَ جليلةً" [26].

وقد كان كثيرَ التشجيع لطلابه، فَقَبَّل مرةً جبينَ أحد طلابه، عندما أذكره بيتًا من الشعر كان قد نَسِيَه [27]، ويقول الدكتور عامر حسن صبري: "وأذكر أني أتيته بأول كتاب صدر لي، وهو "قطف الثمر في رفع المصنفات في الفنون والأثر"، ففرح به كثيرًا وشجعني عليه، وقال لي كلمته التي لا أنساها: "الآن يحق لسيد صقر أن يفرح ويقول الدكتور محمد بخاري: "سافرت إلى إستانبول برفقة أهلي؛ لأبحث عن مخطوطة بمكتبة سليم أغا، ومكثت بها خمسين يومًا، ووجدت ما أبحث عنه، وسجلت ما أحتاج من معلومات، ولما عدت وذكرت للسيد أحمد صقر ما اكتسبتُه من رحلتي، وجدت غالب ما ذكرته قد سطره شيخي في مفكرة خاصة به، فقلت له: يا شيخ، لِمَ تكلفنا هذا العناء الكثير؟! فلو أنك ذكرت لي أسماء هذه الكتب من قبل، لوفرتَ عليَّ تكاليف هذه الرحلة، التي لم أعد منها بجزء مما هو موجود في مفكرتك، فردَّ عليَّ السيد أحمد صقر: يا أغبى من نفسه، والله إني لفرِحٌ أنْ جعل الله في طلابي مَن يسافر إلى المكتبات للبحث عن المخطوطات، والله إنكم ستدركون قيمة عملكم هذا في المستقبل" [28].

صفاته:

كان السيد أحمد صقر طويلاً مهيبًا، آتاه الله - عز وجل - بسطة في العلم والجسم، وكان - رحمه الله - (ملوكي المذهب)؛ أي: حسن الهندام والهيئة، ولم يكن يرتدي الزي الأزهري المعهود، مع أنه أزهري النشأة والوظيفة، ومن أب أزهري.

يقول الدكتور عادل سليمان: "قابلت الأستاذ سيد صقر أول مرة عام 1955م بدار الكتب المصرية، وتوطدت أواصر صداقة متينة، على فارق ما بيننا من السن والعلم، نمت على مرِّ السنين بلقائنا الكثير في دار الكتب، ثم في منزل محمود شاكر، ثم في منزله، كان السيد أحمد صقر جامعًا لمراتب الكمال، ونبل الخصال، مع تألهٍ وتنزه، ودين ويقين، وعفافة ونظافة، لقي عنتًا وتجاهلاً فمضى على سنَّته، واعتزل الناس بدوره، فبدا لمن لا يعرفه فظًّا غليظًا، وهو في حقيقة أمره دمث ألوف، لم يسعَ وراء منصب، أو يركض خلف جاه، وكان كثيرًا ما يتمثل بقول أبي العلاء:

إِذَا كَانَ عِلْمُ النَّاسِ لَيْسَ بِنَافِعٍ وَلاَ دَافِعٍ فَالخُسْرُ لِلعُلَمَاءِ

قَضَى اللَّهُ فِينَا بِالَّذِي هُوَ كَائِنٌ فَتَمَّ وَضَاعَتْ حِكْمَةُ الحُكَمَاءِ" [29]

كما كان السيد أحمد صقر على جانب عظيم من العزة والأنفة والاعتداد بالنفس، مع حدة في الطبع، وعسر في الخلق، وقسوة مبررة أحيانًا، وغير مبررة في بعض الأحيان.

أما كرمه، فقد كان من أكرم الناس وأسخاهم يدًا، يعرف ذلك كل مَن عاشره وتعامل معه، خصوصًا طلابه الذين كان بعضهم لا يجد قيمة ما يشتري به الكتب المقررة عليهم أثناء الدراسة، فيوفرها أستاذهم السيد أحمد صقر من حسابه الخاص، وأخبرني الدكتور رضا السنوسي [30]: أن السيد أحمد صقر ربما زار مَن مَرِض مِن طلابه، مما يدل على أن وراء قسوته الظاهرة قلبًا رحيمًا، وأن قسوته لم تكن إلا عملاً بحكمة أبي الطَّيِّب:

فَقَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ

ويقول الدكتور محمد حسن بخاري: "كان السيد أحمد صقر رحيمًا عطوفًا، عند الحاجة إلى الرحمة، وشديدًا قاسيًا لا يخشى لومة لائم، حين الحاجة لها " [31].

السيد أحمد صقر محققًا:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير