تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

دارَ إنتاج السيد أحمد صقر في ميدانين اثنين، الأول: تحقيق النصوص التراثية ونشرها، والثاني: كتابة بعض المقالات النقدية لطائفة من كتب التراث، وفي كلا المجالين ظهر علمه الغزير، وثقافته الواسعة، وبصره بعلوم الشريعة واللغة، كتابًا وسُنة، وتفسيرًا وفقهًا، وأصولاً وتاريخًا، وأدبًا ونحوًا، حتى إنه كان كثيرًا ما يردد في محاضراته عبارته الطريفة: "لَسْتُ مُحَدِّثًا ولا مُفَسِّرًا وَلاَ فَقِيهًا، وَلَكِنَّنِي أُخَرِّجُ المُحَدِّثَ وَالمُفَسِّرَ وَالفَقِيهَ".

أما التحقيق، فإنه فيه أمَّة وحده، في دقة منهجه، وأصالة رأيه، وحسن عرضه، وشدة إخلاصه للمهمة الشاقة التي جرد عزمه لها، وانتدب نفسه للنهوض بها، وصَبْرِه على تحمل أعبائها، حتى يخرج الكتاب من بين يديه مستحصدًا قويمًا، حيث كان يسير في تحقيقاته على منهج شاق، عسير، بعيد المنال، فكان لا يُقدِم على تحقيق كتاب، حتى يعيش مع صاحبه، ويخبر حياته ونفسيته، ويعرف لغته ومدارج القول عنده، ويقرأ كل مصنفاته والمصنفات الأخرى في الموضوع نفسه، يظهر ذلك من خلال مقدماته النفيسة للكتب، التي أشبه ما تكون بدراسات مستقلة في بابها، حيث أول ما يبدؤك به هو ترجمة المؤلف، وذكر أحواله وأطواره، وشيوخه وتلاميذه ومؤلفاته، وربما نقل صفحات بأكملها من تلك المؤلفات - حيث كانت في عهده مخطوطات - للدلالة على نفاستها، ثم يستطرد في بعض ما يذكر، فيأخذ في تصحيح بعض الأوهام الشائعة حول بعض الكتب، أو الأعلام، أو المسائل العلمية، ثم يذكر بعد ذلك بيئة المؤلف وأحوال عصره الثقافية والاجتماعية والسياسية، ثم يبين منهج المؤلف في كتابه، ومكانة الكتاب من بين الكتب المؤلفة في موضوعه، ثم ينتقل إلى وصف مخطوطات الكتاب، والدلالة على أماكن وجودها، ثم على طبعاتها السابقة والفرق بين تلك الطبعات، كل ذلك بأسلوب جزل مشرق رصين، قوامه المنطق السليم، والبحث العميق، والاستنتاج الدقيق، والرأي الصائب المؤيد بالأدلة الناصعة، والبراهين الساطعة.

ولم يكن تحقيق السيد أحمد صقر واقفًا على حدود المتن فقط، بحيث يتوارى خلف نصوص الكتاب المحَقَّق؛ بل يطالعك بشخصه، ويصارحك برأيه، ويصف لك شعوره أحيانًا، حتى تحس أنك أمام رائد يرتاد بك منازل الكتاب، مفسرًا لما غمض من ألفاظه، موضحًا لما أبهم من معانيه.

ومن تأمل حواشيه وتعليقاته على كتبه يقف على أشياء معجبة تبهر العقول، من توثيق نقول، وربط موضوعات بأماكنها من كتب المصادر الأصلية، ونقل بعض الآراء والمسائل ووجوه المذاهب؛ من أجل تعضيد رأي، أو توهين قول، أو تفصيل مجمل، أو توضيح مبهم، أو الإشارة إلى مصدر فكرة، أو اتفاق خاطر؛ ليكون الدارس للكتاب على بينة وثقة مما ذكره المؤلف، محيطًا بفقه المسائل التي عرض لها، جامعًا لأطراف الآراء ووجوه المذاهب فيها، وليسهل عليه سبيل الاستزادة إن ابتغى إليها سبيلاً، وفي هذا يقول الدكتور محمود الطناحي: "وهو من أقدر الناس على تقديم كتاب، وتقويم نص، وتوثيق نقل، وتخريج شاهد، واستقصاء خبر، وإن له من وراء ذلك كله علمًا جامعًا بالمكتبة العربية، وإدراكًا للعلائق بين الكتب".

وقد كان لهذا المنهج الشاق العسير أثر كبير في قلة أعمال السيد أحمد صقر، وعدم تكاملها، حيث وعد في مقدمات كتبه بإخراج وتحقيق كتب كثيرة؛ مثل: كتاب "المعارف" لابن قتيبة، وكتاب "نوادر الحكايات" للبيهقي، وكتاب "بغية الرائد" للقاضي عياض، وكتاب "الوسيط" للواحدي، وكتاب "هداية المرشدين" للباقلاني، ولكن لم يرَ النورَ من تلك الكتبِ شيءٌ.

كما أعد نصوصًا كثيرة للنشر، تعب في تحصيل نُسَخِها تعبًا باهظًا؛ مثل: "المصنف" لابن أبي شيبة، و"أمثال الحديث"، و"المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، وكلاهما لأبي محمد الرامهرمزي، و"أعلام السُّنن" لأبي سليمان الخطابي، و"المصطفى المختار في الأدعية والأذكار" لمجد الدين بن الأثير، و"الجليس والأنيس" للمعافى بن زكريا الجريري النهرواني، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير