تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن ليس كل المعزِّين في الشيخ له صلة بالشيخ و بمن يعزونه في الشيخ، شأن من حضروا صلاة الجنازة أو تبعوها وشيعوها إلى المقبرة .. فأن يعزي المَعَارف، أمر عادي، لكن أن يأتي معزون كثيرون لا معرفة لهم بمن يعزّون على الإطلاق، فتلك المنقبة لهم وللشيخ رحمه الله!

وقد اختصر أحد كبار السن - ممن يظهر عليهم أثر الوجاهة - هذا المعنى بقوله ونحن نسلم عليه عند مدخل مجلس العزاء، بقوله: كلنا نُعزّى في الشيخ، فليس العزاء خاصاً بقرابته!

قلت: صدق والله، فالشيخ شيخ أمّة!

2) وبالأمس كنت حضرت جنازة الشيخ ذاته، وانتابتني مشاعر شتى، أثارتها إضافة إلى الحدث: شجون الزمان والمكان! وهنا أترك العنان للقلم ليخفف عني شيئا من وقع فقد هذا الشيخ الجليل على النفس .. ولا سيما أنني رأيته آخر مرّة في مكان أكاد أجزم أنه لم ولن يخطر على بال قاريء! ووقع في ذات المكان ما آلمني كثيرا .. وسأذكر ذلك المكان في مناسبته من هذه المقالة إن شاء الله تعالى، وإن كنت قد لا أطيق ذكر ما آلمني حينها ..

اتجهت الضحى العالي يوم الثلاثاء، في الساعة الحادية عشرة والربع تقريبا إلى جامع الإمام تركي (الجامع الكبير بمدينة الرياض) واتصلت في الطريق على أحد حمائم ذلك الجامع؛ لأحدد طريقة وصولي للجامع، فأخبرني أنه موجود في المسجد منذ الساعة العاشرة والنصف .. وأنه وجد صعوبة في وجود موقف لسيارته؛ ففكرت في إيقاف سيارتي والانتقال للمسجد عبر سيارة أجرة (ليموزين) - أو سيارة كِراء كما عربها المرور القطري - .. لكنني قرّرت الذهاب بالسيارة مع الابتعاد عن مواقع الزحام والضنك، ولا سيما أنني أكاد أحفظ كل طريق وزقاق في تلك المنطقة، لكثرة ترددي إليها، وتجولي في سن الصبا مع الرفاق حواليها.

واحتياطا لمثل هذه الجنازة التي كان جميع من يعرفون الشيخ يتوقعون أن يكون حضورها كبيرا مشهودا، أوقفت سيارتي ككثير من الناس قرب مسجد العيد غربا منه - أي بالقرب من المنزل الطيني الذي كان الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله يلقي فيه أوائل دروسه، التي لم يكن يحضرها - كما كان يحدِّث رحمه الله - في بعض الأحيان إلا ثلاثة: الشيخ (ابن جبرين)، وأحد الطلبة اليمَنيين، وإبريق الشاي!! وهي مسافة تقارب خمسمائة متر عن المسجد تقريبا من الناحية الجنوبية الشرقية للجامع الكبير (جامع الإمام تركي) بوسط مدينة الرياض.

سرت مع جموع المشاة مرورا بمحطة الإطفاء، متجهين شمالا إلى الجامع، مرورا بموقع المنزل الذي كان يسكن فيه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قبل انتقاله إلى حي البديعة ..

3) تلك الطريق التي تتخلل أسواق الديرة الشهيرة، والتي منها سوق الزل العريق، وسوق الآثار الذي يرتاده الخواجات منذ عرفته ..

تلك الطريق التي طالما رأيت - وأنا بجوار والدي رحمه الله في سيارته ذاهبين إلى الندوة الأسبوعية - شيخَنا ابنَ باز رحمه الله يسير على رصيفها الغربي، قبيل الغروب متجها إلى الجامع الكبير حين كان يؤمه، ويلقي فيه دروسه! ويعلق فيه على محاضرات الجامع وندواته الشهيرة آنذاك حين كان مقدمها الشيخ عبد الجواد ..

ذلك الجامع ذي المبنى العريق، الذي طالما حدثني خالي مخلد بن ضويحي عن مشاركته في بنائه وذلك حين قدم من الدوادمي صغيرا بحثا - كلداته - عن سوق العمل! فكان له نصيب من البناء مع معلّم البناء! - ذلك البناء القديم، المسقّف بأعمدة خشبية طبيعية، لتعاقب الطيور بينها وقْع في النفس يبعث على الأنس، في زمن الطفولة! كان ذلك قبل أن يُنقض البناء القديم ببضعة عشر عام، ذلك النقض المرحلي الذي أثار أشجان مؤذنه الشهير الشيخ عبد العزيز بن ماجد رحمه الله! فلم يتمالك نفسه حيث خنقته العَبرة، ثم انفجر باكيا! وذلك أثناء آخر نداء رفعه من ذلك المبنى القديم ..

4) وعودا إلى خبر جنازة الشيخ عبد الله ابن جبرين رحمه الله!

سرت بجانب الطريق على ذات الرصيف الغربي، والناس تسير فيه كالسيل الجارف في جميع الطريق: وسطه وجانبيه، ولفت انتباهي: خروج أصحاب المحلات التجارية - على جانبي الطريق - أمام متاجرهم! يشاهدون الجموع بدهشة، وتلحظ تهامس الأعاجم والغرباء منهم بالسؤال: ما الحدث؟! فترى الحيرة أحيانا، وتسمع الجواب أحيانا أخرى، يتكرر ذلك أمام ناظريك - وأنت تسير نحو الجامع - بتكرر السائلين والمجيبين ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير