تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

آخر لقاءاتي به في رمضان العام المنصرم، ودار الحديث على مائدة الإفطار عن الموقف الشجاع في ذلك المشروع الرائد، وهو توسعة المسعى، فكان -رحمه الله- يسألني: لعل الخلاف فيه قد انتهى، فقلت له: أبشرك أن الأمر استقر على دعمه وتشجيعه والعمل فيه من قبل ولي الأمر-حفظه الله- وكثير من أهل العلم، فقال -رحمه الله- مدافعًا: هذا هو الحق، ولكن لا يزال بعض طلاب العلم على رأيهم، فطمأنته أن الأمر هو ما عليه كثير من العلماء، ممن يحرصون على السير على مقتضى مقاصد الشريعة ونصوص الوحي والتيسير ورفع الحرج، لاسيما مع الزحام الشديد في الحرم والمشاعر، وكان آخر لقاء معه في مكة في مؤتمر الفتوى المنعقد بالرابطة، حيث أثنى على بحث قدمته في هذا المؤتمر، فرحمه الله رحمة واسعة. وإن من حسن العزاء عند فقد العلماء أن دين الله محفوظ وشريعته باقية وخيره يَفيض ولا يَغيض فأعلام الديانة مرفوعةٌ بحمد الله ولا تزال طائفة من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، كما صحّ بذلك الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام خرّجه مسلم وغيره وأخرج أبوداود بسند جيد، والحاكم وصححه: (أن رسول الله قال: إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها)، وعِلْم هذا الدين يحمله كل من خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ولم تُصب الأمة بمُصيبة هي أعظم من مصابها بفقد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فالمصيبة بفقد من بعده تهون مهما كان شجاها، كما أن من حسن العزاء أن هؤلاء العلماء رحمهم الله باقون بذكرهم أحياءُ بعلمهم يلهج الناس بالثناء عليهم والدعاء لهم ويجتهدون في اقتفاء آثارهم وترسم خطاهم علماً وعملاً ودعوة ومنهجاً، تشبهاً بالكرام إن لم يكونوا مثلهم، فذلك أمارةُ الفلاح وطريق الخير والصلاح، كما أن من حسن العزاء أيضاً أن علماء الشريعة ولله الحمد والمنةُ متوافرون عبر الأعصار والأمصار يُحي الخلفُ منهج السلف، وأمة الإسلام أمة معطاء زاخرة بالكفاءات ثرية بالعطاءات مليئة بالقدرات ولن يخور العزم بإذن الله ولن يضعف العطاء بحول الله بفقد عَلَم بارز ففي الأمة بحمد الله من سيحمل مشعل الهداية ورايةَ العلم والدعوة ويسدُ الثغرة وينهضُ بالمسؤولية العلمية والدعوية وما علينا إلاّ أن نسمو بهممنا وننهضَ بمهماتنا في نصرة دين الله ونفع عباد الله، وحذار من بوادر اليأس وإطلالة التشاؤم، التي قد تطفو على السطح في ميادين العلم والدعوة والحسبة والإصلاح، فإن هول الفواجع تقيض كمال الرضى بقضاء الله وقدره، وعدم الاستسلام للجزع والتسخط مع حسن التصرف في الأمور، وألا تغلب العواطف والانفعالات، فبالعلم تضبط المسيرة وتهدى الأمة ولا يأس من روح الله ولا قنوط من رحمته والخير في هذه الأمة باقٍ إلى قيام الساعة، وإننا لنرفع من العزاء أصدقه، لولاة الأمر حفظهم الله، خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده، وسمو النائب الثاني -وفقهم الله- على ما وجده الشيخ - رحمه الله- من لدنهم من عناية فائقة، ولا تُنسى تلك اللحظات المؤثرة، حين زاره خادم الحرمين الشريفين شخصيًا في المستشفى التخصصي، واطمأن على صحته، امتدادًا للمنهج المحتذى منذ عهد المؤسس الملك- عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله-، وكذا كان من اهتمام خادم الحرمين -حفظه الله- التوجيه بعلاج الشيخ في ألمانيا، وما سمعناه من بيان الديوان الملكي في وفاة فضيلته -رحمه الله-، كل ذلك مما يؤكد العناق الحار بين سلطان الحكم والعلم في مملكتنا المباركة، والعزاء موصول لعلمائنا وطلاب العلم والدعاة إلى الله وأبناء الشيخ، زميلنا الفاضل د. عبد الرحمن ومحمد وسليمان وأخواتهم وأسرة الشيخ وأقاربه ومحبيه في العالم؛ لأنه -رحمه الله- عالم ملة وأمة، عالمي التأثير والنفع، ولعل ما رأيناه وسمعناه في يوم جنازته المشهودة، والصلاة عليه ودفنه، وتقاطر آلاف المحبين للمشاركة في ذلك المشهد المهيب، من عاجل بشراه - رحمه الله- وما يذكرنا بالمقولة المشهورة عن الإمام أحمد -رحمه الله-: بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز. وما رأيته في الحرم -خاصةً يوم وفاته- من حزن المصاب وخسارة الفقد، حيث يعزي المصلون بعضهم بعضًا، السعودي والمصري

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير