حركته: 266 - 147 = 119 يومًا, وبإضافة يوم الحركة يكون موعد اتضاح حركة الجنين حول: 120 يوما؛ أي أربعة أشهر, فعدة الوفاة إذن قائمة على العلم بأن موعد التبويض منتصف الدورة؛ وهو ما لا يتيسر لأَحَدٍ معرفته زمن التنزيل إلا بوحي.
(ثانيا) تأكيد الروايات لموعد تحرك الجنين:
أيدت جملة روايات تفسيرية ما ورد في القرآن من أطوار خلق الإنسان؛ بينما كان السائد منذ عهد أرسطو Aristotle في القرن الرابع ق. م. أن الجنين يُخلق كاملا ابتداء من دم الحيض بلا أطوار نتيجة للتحفيز بالمني, وبعد اكتشاف المجهر تصور داليمباتيوس Dalempatius قبل بداية القرن الثامن عشر بعام أن الإنسان يُخلق كاملا في رأس الحوين المنوي, ومن المأثور الذي خلى من تحديد المدة وحافظ على ترتيب الأطوار ما رواه البخاري في الصحِيحِ عَنْ أَبِى النُّعْمَانِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِى كَامِلٍ عَنْ حَمَّادٍ: "عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: "َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ أَىْ رَبِّ نُطْفَةً أَىْ رَبِّ عَلَقَةً أَىْ رَبِّ مُضْغَةً, فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِىَ خَلْقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى, أَشَقِىٌّ أَمْ سَعِيدٌ, فَمَا الرِّزْقُ, فَمَا الأَجَلُ, فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِى بَطْنِ أُمِّهِ", وبالفعل تظهر معالم الذكورة في الشهر الثالث بعد اكتمال أوليات الأعضاء؛ وإلا استمر الجنين بهيئة النفس الواحدة في الجنسين Indifferent Stage حتى تتضح الأنوثة في الرابع.
ومن المأثور الذي حدد مدة توافق بداية اتضاح الهيئة الإنسانية ما أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي عن حذيفة بن أسيد قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: (إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة) ", وفي رواية: "إذا وقعت النطفة في الرحم ومضى عليها خمس وأربعون ليلة؛ قال الملك: يا رب أذكر أم أنثى؟ ", وفي رواية أخرى: "يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة فيقول: يا رب أشقي أو سعيد؟ فيكتبان, فيقول: أي رب أذكر أو أنثى؟؛ فيكتبان, فيكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص", والتردد بين وأربعين وحتى خمس وأربعين يمكن حمله على أن المراد فترة تختلف من حمل لآخر في تلك الحدود, وفي رواية أخرى: "إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ , فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك, ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك .. ", وذكر الحديث.
قال القرطبي المتوفى سنة 671 هـ في تفسيره (ج12ص9): "نسبة الخلق والتصوير للمَلَك نسبة مجازية لا حقيقية .. , ألا تَرَاهُ سبحانه قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية وقطع عنها نسب جميع الخليقة فقال: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) , وقال: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) , وقال: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة) .. , إلى غير ذلك من الآيات؛ مع ما دلت عليه قاطعات البراهين أن لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين, وهكذا القول في قوله (ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح) .. ؛ فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره .. , (و) لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوما (منذ يوم خلقه) , وذلك تمام أربعة أشهر .. , وقد قيل إنه الحكمة في عدة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر, وهذا .. يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل".
والقول إذن بأن نفخ الروح لا يقع عند أربعة أشهر من عمر الجنين وإنما بعد أول أربعين, وأنه اكتشاف علمي حديث؛ لا يستند لأصل علمي صحيح ولا تحليل دلالي مطابق لنصوص الوحي, وفيه اعتراض على ما توارثه الأئمة جيلا بعد جيل وأيده العلم الحديث من اتضاح الحركة الإرادية للجنين في أربعة أشهر كعلامة محسوسة للتغير المعبر عنه بنفخ الروح, وأما دفع توهم امتداد أطوار التخليق لأربعة أشهر فقول صحيح؛ لاكتمال جميع أوليات الأعضاء عند نهاية ثمانية أسابيع بيقين.
¥