تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والتعبير: "إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة"؛ قد يوهم أنها تستمر أربعين ليلة بهيئة نطفة, ولكن توجد روايات ترفع الوهم, والتعبير مثلا: "بعدما تستقر في الرحم بأربعين"؛ يجعل الأربعين فترة استقرار الجنين بالرحم منذ كان بهيئة نطفة, وبالمثل يُمكن حمل الروايات التي توهم توزيع الأربعة أشهر على أطوار ثلاثة لكل منها أربعين يوما على أخرى ترفع الوهم, وفي رواية البخاري عن عبد الله بن مسعود: "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق؛ قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً يؤمر بأربع كلمات, ويقال له: اكتب عمله ورزقه وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح) ", وفي رواية مسلم عن عبد الله ابن مسعود أيضا بزيادة (في ذلك): "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق؛ قال: (إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح .. "؛ يستقيم حمل (جمع الخلق) على تنادي الأجزاء لتكوين الأعضاء فينشأ كل طور بعد آخر بنفس الكيفية؛ أي (مثل ذلك) الجمع, ويمكن بالمثل حمل (في ذلك) على الزمن, أي في نفس الأربعين؛ خاصة لعدم ذكر للنطفة وبيان منحها حصة, وحينئذ يزول الإشكال.

والأصل عند المحققين إذا تعذر التأويل حمل الظَنِّي المُتشابه اللفظ على الجلي المطابق للواقع, وتوهم امتداد الأطوار لأشهر أربع تدفعه رواية حذيفة بن أسيد: (إذا مرّ بالنُّطفة سنتان وأربعونَ ليلةً) الحديث؛ وفيه تقع كل أطوار بدايات الأعضاء (نطفة وعلقة ومضغة) عند 42 ليلة (ستة أسابيع)؛ وتتكون بالفعل بدايات العظام في الأسبوع السابع والعضلات في الثامن, وفي رواية عن ابن مسعودٍ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ النطفةَ إذا استقرَّت في الرَّحمِ تكونُ أربعينَ ليلةً ثم تكونُ علقةً أربعينَ ليلةً ثمَّ تكون مضغة أربعين ليلة ثم تكونُ عظاماً أربعين ليلةً ثم يكسو الله العظامَ لحماً", قال ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ في جامع العلوم والحكم (ج6ص8): "رواية الإمام أحمد (هذه) تدلُّ على أنَّ الجنين لا يُكسى اللَّحمَ إلاَّ بعد مئةٍ وستِّين يوماً, وهذه غلطٌ بلا ريبَ فإنَّه بعد مئة وعشرينَ يوماً يُنفخُ فيه الرُّوحُ بلا ريب .. , وعلي بنُ زيدٍ هو ابنُ جُدْعان لا يحتجُّ به, وقد ورد في حديث حذيفة بن أسيدٍ ما يدلُّ على خلقِ اللَّحمِ والعِظام في أوَّلِ الأربعين الثانية, ففي صحيح مسلم عن حُذيفة بن أسيدٍ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قال: (إذا مرّ بالنُّطفة سنتان وأربعونَ ليلةً بعثَ الله إليها مَلَكاً فصوَّرها وخلق سمعها وبصرَها وجِلدَها ولحمَها وعِظامَها ثُمَّ قال: يا ربِّ أذكرٌ أم أُنثى؟ , فيَقضي ربُّك ما شاءَ ويكتبُ الملَكُ) ".

وتلك الروايات إذن تفسيرية تؤكد الأطوار بنفس ألفاظ القرآن الكريم, ويُمكن تأويلها بوجه يدفع وهم مخالفة الواقع, ومضمونها التأكيد على موعد نفخ الروح عند أربعة أشهر؛ فتكون العشرة أيام في حكم عدة الوفاة طهر بعد حوالي أربعة أيام حيض؛ وهذا يعني أن تلك الروايات التفسيرية تأكيد للمعرفة بوقوع الحمل في منتصف الدورات كأحد دلائل النبوة الخاتمة.

(ثالثا) الإجهاض المتعمد هدم لمشروع الوليد:

لو وُضِعَ الأساس لمشروع عمارة متعددة الأدوار؛ فلم يكن سوى أساس الدور الأول والأعمدة بلا جدران, وجاء أحدهم وأطاح بالأعمدة وهدم الأساس متعمدًا؛ ألا تناله عقوبة ويلزمه التعويض! , وكلما زاد البناء وتعددت الأدوار؛ ألا تتضاعف العقوبة ويزداد التعويض! , هكذا رأي جمهور الفقهاء أنه كلما تقدمت أطوار تخليق جنين الإنسان تضاعفت العقوبة وزاد التعويض لهدم مشروح الوليد ومنع بلوغه الكمال بالاعتداء عليه وتعمد الإجهاض Abortion بغير اضطرار, والضرورة تقدر بقدرها, ولا يُدرك الإجهاض إذا وقع بعد أسبوعين من وقوع الحمل لأنه يُشتبه غالبا مع الحيض التالي, وقد لا يُدرك الحمل كذلك إلا بعد مرور موعد الحيض التالي بفترة معتبرة فيكون الجنين قد تجاوز طور النطفة والعلقة, وهذا يعني أن الإجهاض لا يُتَبَيَّن غالبا إلا والسِّقط قد أصبح مضغة أو أكثر تقدما؛ مما يضيق أكثر على أعذار الإجهاض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير