وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه".
وعند أهل الكتاب كذلك ما يوافق أن التمثيل بالنفخ كناية عن بث الحياة الواعية للجنين, وتفسير العبارة (تكوين 2: 7): "نفخ في أنفه نسمة حياة"؛ في قاموس الكتاب المقدس: "قد أوجد الله فيه العواطف الخلقية والميول الروحية والقوى العقلية .. , ولا يُراد بنسمة الحياة هذه عملية التنفس الطبيعي فحسب؛ وإنما المُراد منها هو أن الله أعطاه تلك القوى العقلية والروحية مقترنة بالنفس الحية", و"الروح هي العقل .. خلق الله الإنسان بإعطاء حياة للجسد الذي صوره ثم بخلق روح عاقلة وهبها للإنسان".
ويمكن للجنين سماع الأصوات وتتضح حركته الإرادية للأم كذلك بعد أربعة أشهر؛ أي بعد الأسبوع السابع عشر من بدء الحمل, وتستطيع صاحبة الخبرة متكررة الحمل Multipara أن تستشعر الحركة مبكرا في الأسبوع السادس عشر, ويتفق هذا مع الاحتياط بتحديد أكبر مدة لعدة المتوفى عنها زوجها استبراءً للرحم بعد اتضاح كل علامات الحمل؛ خاصة شعور الحامل بحركة الجنين Quickening, قال تعالى: ?وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا? [البقرة: 234] , والأصل ألا يقع وقاع إلا في طهر امتثالا لقوله تعالى: ?وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ? [البقرة: 222] , ويبدأ الطهر بعد أربعة (2 - 6) أيام حيض, وطول الدورة الشهرية أربعة (3 - 5) أسابيع ويقع التبويض منتصفها, وقابلية البويضة للإخصاب لا تتجاوز يوم, ولذا لا يقع الحمل غالبا إلا بعد حوالي عشرة أيام في الطهر, وإذن يكون موعد اتضاح حركة الجنين بعد أربعة أشهر منذ نشأته؛ قال ابن عاشور (ج1ص667): "جعل الله عدة الوفاة منوطة بالأمد الذي يتحرك في مثله الجنين تحركاً بيناً"؛ وهو الواقع بالفعل, قال أستاذ الأجنة د. كيث مور في كتابه أطوار خلق الإنسان The Developing Human ( ص9): يُتَوَقَّع الوضع بعد 147 (+ أو- 15) يوماً منذ اتضاح حركة الجنين، ومدة الحمل منذ الإخصاب 266 يوما (38 أسبوعا) , فتكون المدة قبل حركته: 266 - 147 = 119 يومًا, وبإضافة يوم الحركة يكون موعد اتضاح حركة الجنين حول: 120 يوما؛ أي أربعة أشهر, فعدة الوفاة إذن قائمة على العلم بأن موعد التبويض منتصف الدورة؛ وهو ما لا يتيسر لأَحَدٍ معرفته زمن التنزيل إلا بوحي.
(ثانيا) تأكيد الروايات لموعد تحرك الجنين:
أيدت جملة روايات تفسيرية ما ورد في القرآن من أطوار خلق الإنسان؛ بينما كان السائد منذ عهد أرسطو Aristotle في القرن الرابع ق. م. أن الجنين يُخلق كاملا ابتداء من دم الحيض بلا أطوار نتيجة للتحفيز بالمني, وبعد اكتشاف المجهر تصور داليمباتيوس Dalempatius قبل بداية القرن الثامن عشر بعام أن الإنسان يُخلق كاملا في رأس الحوين المنوي, ومن المأثور الذي خلى من تحديد المدة وحافظ على ترتيب الأطوار ما رواه البخاري في الصحِيحِ عَنْ أَبِى النُّعْمَانِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِى كَامِلٍ عَنْ حَمَّادٍ: "عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: "َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ أَىْ رَبِّ نُطْفَةً أَىْ رَبِّ عَلَقَةً أَىْ رَبِّ مُضْغَةً, فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِىَ خَلْقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى, أَشَقِىٌّ أَمْ سَعِيدٌ, فَمَا الرِّزْقُ, فَمَا الأَجَلُ, فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِى بَطْنِ أُمِّهِ", وبالفعل تظهر معالم الذكورة في الشهر الثالث بعد اكتمال أوليات الأعضاء؛ وإلا استمر الجنين بهيئة النفس الواحدة في الجنسين Indifferent Stage حتى تتضح الأنوثة في الرابع.
¥