قال الله تعالى: ? لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ? أي: لا يصيب عهدي من كان منهم ظالمًَا، ومعنى الآية: لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإِمامة من كان ظالمًا من ولدك، وأنه سيكون في ذريتك ظالمون، كما قال تعالى: ? وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ?.
قوله عز وجل: ? وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) ?.
قال ابن عباس: ? وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ ?، يقول: لا يقضون منه وطرًا يأتونه، ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه. وقال قتادة: ? مَثَابَةً لِّلنَّاسِ ?، أي: مجمعًا للناس. وقال أبو العالية: ? وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً ?، يقول: وأمنا من العدو أن يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون.
وفي الصحيحين عن النبي ? أنه قال يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلي خلاه»، فقال العباس: يا رسول الله إلا الأذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال رسول الله ?: «إلا الأذخر».
وقوله تعالى: ? وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ?، المقام: هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه في بناء الكعبة، وفي الحديث الصحيح عن عمر: (قلت: يا رسول الله! لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: ? وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ?)، وفي حديث جابر: (استلم رسول الله ? الركن، فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ: «? وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ?» فجعل المقام بينه وبين البيت، فصلى ركعتين). وقال قتادة: إنما أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه، وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها: أن المقام كان زمان رسول الله ? وزمان أبي بكر ملتصقًا بالبيت، ثم أخره عمر بن الخطاب.
وقوله تعالى: ? وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ?. قال الحسن: أمرهما الله أن يطهراه من الأذى والنجس، ولا يصيبه من ذلك شيء. وقال مجاهد: من الأوثان والرفث، وقول الزور والرجس، وقال ابن عباس: إذا كان جالسًا فهو من العاكفين.
وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي، أخبرنا موسى بن إسماعيل، أخبرنا حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت، قال: قلنا لعبد الله بن عبيد بن عمير: ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد الحرام، فإنهم يُجنبون ويحدثون، قال: لا تفعل، فإن ابن عمر سئل عنهم، فقال: هم العاكفون، وقد قال تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ?.
قوله عز وجل: ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ?.
روى البخاري وغيره عن النبي ? قال: «إن إبراهيم حرم مكة ودعوت لها، وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها، في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة». ولمسلم: «بمثل ما دعا إبراهيم لأهل مكة».
¥