وقوله تعالى: ? وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ?. يقول تعالى: ? وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ?، أي: بقاء قال أبو العالية: جعل الله القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل. وقال قتادة: جعل الله هذا القصاص حياة ونكالاً وعظة لأهل السفه والجهل من الناس، وكم من جاهل قد هم بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها، ولكن الله حجز بالقصاص بعضهم عن بعض، وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة، ولا نهى عن أمر قط إلا وهو أمر فساد في الدنيا والدين، والله كان أعلم بالذي يصلح خلقه.
وقوله تعالى: ? يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ?، أي: العقول والأفهام. ? لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ?. قال ابن زيد: لعلك تتقي أن تقتله فتقتل به.
قال ابن كثير: والتقوى اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات.
قوله عز وجل: ? كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) ?.
كانت الوصية فريضة في ابتداء الإسلام للوالدين، والأقربين على من مات وله مال، ثم نسخت بآية الميراث. وفي السنن وغيرها عن عمرو بن خارجة قال: سمعت رسول الله ? يخطب وهو يقول: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث». وقال قتادة: قوله: ? كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ?، فجعلت الوصية للوالدين والأقربين، ثم نسخ ذلك بعد ذلك فجعل لهما نصيب مفروض، فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون، وجعل للوالدين نصيب معلوم، ولا تجوز وصية لوارث.
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ?: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده». قال ابن عمر: ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله ? يقول ذلك إلا ووصيتي عندي. وروى ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه أنه دخل على رجل من قومه يعوده، فقال له أوصني، فقال له علي: إنما قال الله: ? إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ ?، إنما تركت شيئًا يسيرًا فاتركه لولدك.
وقوله تعالى: ? بِالْمَعْرُوفِ ?، قال ابن جرير: (وهو ما أذن الله فيه وأجازه في الوصية، مما يجوز الثلث، ولم يتعمد الموصي ظلم ورثته). انتهى.
وعن حنظلة بن حِذْيَم بن حنيفة أن جده حنيفة أوصى ليتيم في حجره بمائة من الإِبل، فشق ذلك على بنيه، فارتفعوا إلى رسول الله ? فقال حنيفة: إني أوصيت ليتيم لي بمائة من الإِبل كنا نسميها المطية، فقال النبي ?: «لا، لا، لا، الصدقة خمس، وإلا فعشر، وإلا فخمس عشرة، وإلا فعشرون، وإلا فخمس وعشرون، وإلا فثلاثون، وإلا فخمس وثلاثون، فإن كثرت فأربعون». الحديث رواه أحمد.
وقال ابن عباس: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول الله ? قال: «الثلث، والثلث كثير». وقال الشعبي: إنما كانوا يوصون بالخمس أو الربع. وقال الحسن البصري: يوصي بالسدس، أو الخمس، أو الربع. وعن نافع أن ابن عمر لم يوص، وقال: أما مالي فالله أعلم ما كنت أصنع فيه في الحياة، وأما رباعي فما أحب أن يشرك ولدي فيها أحد. رواه ابن جرير.
قوله عز وجل: ? فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (182) ?.
يقول تعالى: فمن بدل الوصية فزاد فيها أو نقص ? فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ?، والميت بريء منه، وقد وقع أجره على الله ? إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ?، أي: قد اطلع على ما أوصى به الميت وعلى ما غيره المبدل، لا تخفى عليه خافية.
¥