وقال القرطبي: “حسن الظن بالله تعالى ينبغي أن يكون أغلب على العبد عند الموت منه في حال الصحة، وهو أن الله تعالى يرحمه، ويتجاوز عنه، ويغفر له، وينبغي لجلسائه أن يذكروه بذلك حتى يدخل في قوله تعالى”أنا عند ظن عبدي بي”5 ... ”6، وفي حديث آخر ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “إن الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 صحيح مسلم بشرح النووي 16/ 210.
2 رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت ح2879.
3 شرح السنة 5/ 274. ورواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له ح4261 وقال عنه الألباني (حسن) في صحيح سنن الترمذي 1/ 503 ح983، وفي صحيح سنن ابن ماجه 2/ 420 ح3436.
4 شرح السنة 5/ 275.
5 الحديث القدسي رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} ح7405.
6 التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 1/ 58، 59.
يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر”1
وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم “يقول الله سبحانه وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني”2 الحديث.
قال ابن حجر: “وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر، ويؤيد ذلك حديث”لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله .. ”3، ولكن ظاهر الحديث لا يدل على تقييده بالمحتضر، بل في جميع أحوال العبد.
ويقول ابن الجوزي: “وأما حسن الظن فهو مستحب في هذا الوقت [أي عند الاحتضار]، وقد وردت الأخبار بفضل حسن الظن بالله تعالى”4
فينبغي على المريض، مع إحسان ظنه بالله تعالى أن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف عقاب الله على ذنوبه، ويرجو رحمة ربه5، وقد جاء في الحديث "إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله تعالى”6، ولعلّ ذلك لحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى.
ومما ينبغي أن يعلم أنه لا بد من حسن العمل مع إحسان الظن، فلا معنى لحسن الظن مع سوء العمل، إذ قد يمنعه سوء عمله من إحسان الظن بربه، وأسوأ من ذلك سوء الظن بالله مع سوء العمل فإن قوماً أساءوا الظن بالله فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 رواه الطبراني في الأوسط ح8115، وأبو نعيم في الحلية 9/ 306 وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 224 ح1663.
2 سبق تخريجه في ص: 132.
3 فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/ 385، 386.
4 الثبات عند الممات ص71.
5 انظر أحكام الجنائز ص7.
6 رواه أحمد في مسنده 1/ 273، 274، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 173 ح1632
لهم سبحانه وتعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1.
يقول ابن القيم: ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان؛ فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات؛ فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه ... ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبداً؛ فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظناً بربه أطوعهم له ... ، وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات، وهو السر من القول: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيراً مما يعملون كان هذا إساءة لظنهم بربهم فأرداهم ذلك الظن ... ، فتأمل هذا الموضع وتأمل شدة الحاجة إليه، وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاقي الله وأن الله يسمع ويرى مكانه ويعلم سره وعلانيته ولا يخفى عليه خافية من أمره وأنه موقوف بين يديه ومسؤول عن كل ما عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لأوامره مبطل لحقوقه، وهو مع هذا يحسن الظن به، وهل هذا إلا من خدع النفوس وغرور الأماني”2.
¥