تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي رواية أخرى قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول”إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يُحيّا، أو يُخيّر فلما اشتكى وحضره القبض ـ ورأسه على فخذ عائشة ـ غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال”اللهم في الرفيق الأعلى" فقلت: إذاً لا يختارنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدّثنا وهو صحيح”5.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ

1 سورة النساء، الآية 69.

2 رواه البخاري، كتاب التفسير، باب (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين) ح4586.

3 رواه البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ح4435.

4 رواه البخاري، الموضع السابق ح4436.

5 رواه البخاري، الموضع السابق ح: 4437 وانظر: ح: 4438 وَ 4440 وَ 4449 وَ 44451 وانظر مجموع هذه الروايات وغيرها في جامع الأصول 11/ 381 - 389.

فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم "ما من نبي يمرض إلا خُيّر بين الدنيا والآخرة": أي خيره الله تعالى بين الإقامة في الدنيا والموت؛ “لتكون وفادته على الله وفادة محب مخلص مبادر، ولتقاصُر المؤمن عن يقين النبي صلى الله عليه وسلم تولى الله الخيرة في لقائه؛ لأنه وليه، ألا ترى إلى خبر “ما ترددت في شيء ترددي في قبض روح عبدي المؤمن”1، ففي ضمن ذلك اختيار الله للمؤمن لقاءه؛ لأنه وليه، يختار له فيما لا يصل إليه إدراكه ... ”2.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: “إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله” قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خيّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودته، لا يبقيّن في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر”3.

قال ابن حجر: “فهم عائشة من قوله صلى الله عليه وسلم "في الرفيق الأعلى" أنه خيّر، نظير فهم أبيها رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم "إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده" أن العبد المراد هو النبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى”4.

وقال بدر الدين العيني ت855هـ: “قول (خُيّر) على صيغة المجهول: أي خيّر بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة صلى الله عليه وسلم “5.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ

1 رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع ح6502.

2 فيض القدير شرح الجامع الصغير 5/ 501.

3 رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "سدّو الأبواب إلا باب أبي بكر" ح3654.

4 فتح الباري شرح صحيح البخاري 7/ 13.

5 عمدة القارئ شرح صحيح البخاري 18/ 178.

هذه الأحاديث الصحيحة تدل على أنه ما من نبي يمرض إلا خُيّر بين البقاء في الحياة الدنيا والموت.

وقد ثبت أن ملك الموت عليه السلام جاء إلى موسى عليه السلام فخيره بين الموت والحياة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “جاء ملك الموت إلى موسى، فقال له أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله عز وجل، فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فردّ إليه عينه، قال: ارجع إلى عبدي فقل له: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما وارت يدك من شعرةٍ فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، قال: ربّ أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر”1.

هذا الحديث ثابت، وقد أنكره بعض المبتدعة قائلين: إن كان موسى عليه السلام عرفه فقد استخف به، وإن كان لم يعرفه فلماذا لم تقتص له من فقء عينه؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير