تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - العلم بإن الحسد ضرر على الحاسد في الدين والدنيا ومنفعته للمحسود في الدين والدنيا: فلا ضرر به على المحسود لا في الدنيا ولا في الدين بل ينتفع به فيهما جميعاً. أما ضرره في الدين فلأنه سخطٌ لقضاء الله وقدره وكراهة لنعمته على عبده المؤمن وانضم إليه غش المسلم وترك نصحه وترك العمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وانضم أيضاً إلى ذلك أنه شارك أبليس وهذه خبائث تأكل الحسنات. وأما ضرره في الدنيا فإنه الألم النقد الحاضر والعذاب الأليم وأما كونه لا ضرر على المحسود فواضحٌ لإن النعمة لا تزول بالحسد. وأما منفعته في الدين فهو أن المحسود مظلوم من جهة الحاسد لا سيما إذا أخرج الحسد صاحبه إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساويه فهذه هدايا تُهدى إليه، وأما منفعته في الدنيا للمحسود فهو أن أهم مقاصد أكثر أبناء الدنيا إيصال الضرر والهمّ إلى أعدائهم وهو متوفر في الحسد وقد فعل الحاسد بنفسه مرادهم. فأنت إذا حسدت بالحقيقة عدوٌ لنفسك صديق لعدوك ومع هذا كله فقد أدخلت السرور على أبليس وهو أعدى عدو لك ولغيرك ولو عقلت تماماً لعكست وكلفت نفسك نقيض الحسد إذ أن كل مرض يعالج بضده كمثلً:

5 - الثناء على المحسود وبرَّه: فيكلف نفسه الثناء عليه من غير كذب ويلزم نفسه بره إن قدر، فهذه الأفعال تعمل مقاربة تطِّيب قلب المحسود ويحب الحاسدَ ويصير ما يتكلفه أولاً طبعاً آخراً. ولا يعمل بوساوس الشيطان أنَّ هذا عجزٌ ونفاق وخوف لإن ذلك من خدعه ومكائده فهذا الدواء إلا أنه مرٌّ قلَّ من يقدر عليه.قال تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه ولي حميم). والعمل النافع فيه عدم البغي وكذلك أن يحكم الحسد فكل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل فينبغي أن يكون نقيضه فإن بعثه الحسد على القدح في محسوده كلَّف لسانه المدح له والثناء عليه، وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه، وإن بعثه على كفّ الإنعام عليه، فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه وتولَّد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد لإن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعَم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه. وإنما تهون مرارة هذا الدواء أعني التواضع للأعداء والتقرب إليهم بالمدح والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرنا وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء عى خلاف مراده.

6 - إفشاء السلام: قال صلى الله عليه وسلم (أفشوا السلام بينكم) فأخبر صلى الله عليه وسلم بحال الحسد وأن التحابب ينفيه وأن السلام يبعث على التحابب فصار السلام إذن نافياً للحسد. وقد جاء كتاب الله تعالى يوافق هذا القول في قوله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه ولي حميم) قال مجاهد: معناه ادفع بالسلام إساءة المسىء. قال الشاعر:

قد يلبث الناس حيناً ليس بينهم ** ودٌّ فيزرعه التسليم واللطف

7 - القناعة بعطاء الله: قال بعض الحكماء: من رضي بقضاء الله تعالى لم يسخطه أحد ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد، فيكون راضياً عن ربه ممتلئ القلب به. ويتيقن بأن الحرمان أحيانا للإنسان خيرا من العطاء، وأن المصيبة قد تكون له نعمة، وأن الإنسان احيانا يحب ما هو شر له ويكره ما هو خير له.

8 - نقل الطباعة (الطبع): أما يستعمله من كان غالباً عليه الحسد وكان طبعه إليه مائلاً لينتفي عنه ويكفاه ويسلم من ضرره وعدواه فأمور هي له حسمٌ إن صادفها عزم، فمنها: اتباع الدين في اجتنابه والرجوع إلى الله عز وجل في آدابه فيقهر نفسه على مذموم خلقها وينقلها عن لئيم طبعها وإن كان نقل الطباعة عَسِراً لكن بالرياضة والتدرج يسهل منها ما استصعب ويحبب منها ما أتعب وأن نقدِّم قول القائل: من ربّه خلقه كيف يخلي خلقه، غير أنه إذا عانى تهذيب نفسه تظاهر بالتخلق دون الخلق ثم بالعادة يصير كالخلق. قال أبو تمام الطلئي:

فلم أجدِ الأخلاق إلا تخلقاً** ولم أجدِ الأفضال إلا تفضلاً

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير