مدرساً في بيته فيها وفي الحرم، إلى أن توفي فيها سنة (1362هـ) (19).
14 - الشيخ محمود ياسين: محمود بن أحمد بن ياسين الدمشقي، ولد بدمشق عام (1304هـ) وبدأ حياته بحفظ القرآن الكريم، ثم قرأ العلوم الشرعية على علماء عصره، وكان أكثر تلقيه لعلوم الحديث عن الشيخين بدر الدين الحسني ومحمد بن جعفر الكتاني، الذي قرأ عليه الكتب الستة وثلث المسند للإمام أحمد، وقد اشتغل بالتدريس في مدراس دمشق، وساهم بكتابة المقالات الدينية والتوجيهية في المجلات والصحف مثل مجلة الحقائق ومجلة الهداية ومجلة الفتح، ودبَّج بيراعه عدداً من الرسائل والكتب العلمية وخاصة المناهج الدرسية المقررة بالمدارس، توفي سنة (1367هـ) (20).
بعد هذا التعريف السريع ببعض الأعلام من المشتغلين بالحديث وعلومه يحسنُ بنا أنْ نُبرز أهم جوانب العناية بالحديث النبوي وعلومه التي قام بها هؤلاء وغيرهم من علماء دمشق:
وجوه عناية علماء دمشق بالحديث في القرن الرابع عشر الهجري
تعددت وجوه عناية علماء دمشق في هذا القرن بالحديث، ويمكن حصر هذه الوجوه في نقاط ثلاث هي:
أولاً- دراسة الحديث وتدريسه.
ثانياً- التأليف في فنون الحديث المختلفة.
ثالثاً- العناية بما تركه المتقدمون من مصنفات في الحديث وعلومه شرحاً وتعليقاً واختصاراً وتحقيقاً.
أولاً: دراسة الحديث وتدريسه:
لقد كانت عناية الدمشقيين بالتدريس كبيرة جداً فما من عالم ولا مشتغل بالحديث وعلومه إلا كان له الدروس المتعددة في كتاب أو أكثر من كتب الحديث إما رواية فقط، أو رواية ودراية، أو في مصطلح الحديث، وقد كان لبعض هذه الدروس عبق وتميز خاص، حتى كان يحضرها العام والخاص، أهمها الدروس التي كان يقرر فيها صحيح البخاري في الجامع الأموي أو التكية السليمية بدمشق، حيث كان لتدريس صحيح البخاري وقفان:
الأول: لتدريسه تحت قبة النسر بالجامع الأموي عصر كل يوم من الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، ويقوم بإلقاء هذا الدرس أعلم علماء دمشق، وأقدم من عُرف من المدرسين شمس الدين محمد الميداني الدمشقي المتوفى سنة (1033هـ) وقد وضع الشيخ جمال الدين القاسمي كتاباُ في التعريف بمن تولى هذا الدرس حتى عصره بعنوان "اللف والنشر في طبقات المدرسين تحت قبة النسر" كما عرف بهم موجزاً الشيخ عبد الرزاق البيطار في كتابه "نتيجة الفكر فيمن درس تحت قبة النسر" وكان آخر من تولى هذا الدرس الشيخ بدر الدين الحسني (ت: 1354هـ) لكنه لم يتقيد بالتدريس في الأشهر الثلاثة، بل كان يدرس على مدار السنة كل يوم جمعة، من بعد صلاتها حتى دخول وقت العصر.
وقد وصف الشيخ محمد بهجة البيطار من يصلح للتدريس تحت قبة النسر بأن يكون حافظاً لحدود الله، قائماُ على إرشاد العقول، وتهذيب النفوس، وتصحيح المعتقدات، وإبانة سر العبادات، وإماطة ما غشي الأفهام القاصرة من غياهب الجهالة، وتراث الضلالة، واقفاً على مقاصد التشريع وحكمته، عالماً مواضع الخلاف والوفاق، سائساً لسامعيه بما يلائمهم من الأحكام، بل هو العامل الأكبر في إخراج الناس من ظلمات الجهالة إلى نور العلم، وتحريرهم من رق الخرافات والوهم، فهو كالسراج إن لم ينتفع بضوئه فلا فائدة في وجوده (21).
الثاني: وقف تدريس البخاري في التكية السليمة في شهري رجب وشعبان، وأصل هذا الوقف أنَّ السلطان سليم كان قد رتب درساً في الوعظ في تكيته وكذلك فعل ولده السلطان سليمان ثم إنَّ الشيخ حامد العطار (ت:1262هـ)، ضمَّ الدرسين درساً واحداً يقرؤه في التكية السليمة، ونقله من الوعظ إلى صحيح البخاري، مقابلة لدرس قبة النسر في جامع بني أمية (22). وقد تولى تدريس البخاري في التكية عدد من علماء القرن الرابع عشر، منهم الشيخ سليم العطار (ت:1307هـ)، وقد وصف تقي الدين الحصني (23) درسه بأنه كان يتفنن فيه بإلقاء المسائل وأخبار السلف بعبارات تبهر العقول، وتدهش السامع، وكان يتكلم على الحديث من سائر العلوم، ويمزجه بشيء من التصوف، ويأتي بالأحاديث المناسبة له، ويستخرج منها الأحكام، ويبين حجة كل مذهب، وكانت دمشق تفتخر بدرسه.
¥