روى البيهقي بسنده عن عبد الله بن محمد بن هارون قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله فقال له رجل: أصلحك الله ما تقول في المحرم قتل زنبوراً؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى:) وما آتاكم الرسول فخذوه (، حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال: قال رسول الله e : (( اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر))، وحدثنا سفيان عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر أنه أمر بقتل زنبور ().
قال الواحدي: ((فأجابه من كتاب الله مستنبطا بثلاث درجات)) ().
الشبهة الثالثة.
يقولون: إن السنة ليست وحياً من الله، وإنما لفقت ثم نسبت إلى الرسول e ، ولو صحت فإننا لم نؤمر باتباعها.
يقول عبد الله جكرالوي: ((إنا لم نؤمر إلا باتباع ما أنزله الله بالوحي، ولو فرضنا جدلاً صحة نسبة بعض الأحاديث بطريق قطعي إلى النبي e ، فإنها مع صحة نسبتها لا تكون واجبة الاتباع؛ لأنها ليست بوحي منزل من الله عز وجل ().
وقال في موضع آخر: ((يعتقد أهل الحديث أن نزول الوحي من الله عز وجل إلى نبيه عليه الصلاة والسلام قسمان: جلي متلو وخفي غير متلو، والأول: هو القرآن، والثاني: هو حديث الرسول عليه الصلاة والسلام .. غير أن الوحي الإلهي هو الذي لا يمكن الإتيان بمثله، بيد أن وحي الأحاديث قد أتى له مثيل بمئات الألوف من الأحاديث الوضعية)) ().
ويرى برويز: ((أنّ هذا التقسيم للوحي معتقد مستعار من اليهود (شبكتب) المكتوب، و (شَبْعَلْفَهْ) المنقول بالرواية وأنه لا صلة به بالإسلام)) ().
ويقول خواجه أحمد الدين: ((إن الأصل الذي لا يتغير ولا يتبدل هو الوحي الإلهي فحسب، وهل أُمرنا بالبحث عن الوحي الإلهي في التوراة والإنجيل .. أو البخاري ومسلم أو الترمذي وأبي داود وابن ماجه .. أو مسانيد أئمة آخرين)) ().
الرد:
كذب عدو الله جكرالوي في المقام الأول، وهو زعمه عدم صدور هذه الأحاديث عن النبي e.
ومعنى قوله هذا: أنه لم يصدر منه e غير هذا القرآن المتعبد بتلاوته.
وهذا أمر مناقض لِبَدَاْئِهِ العقول؛ إذ كيف يُتصور أن يكون رسولاً إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً يأمرهم بما يرضي الله ويوصل إلى جناته وينهاهم عما نهى الله عنه ويوصل إلى نيرانه، ويصبغ حياتهم كلها بصبغة هذا الدين الذي أُمر بتبليغه إليهم ثم لا يصدر منه غير تلاوة القرآن عليهم.
فدعوى جكرالوي مناقضة للعقل الصريح ومنافية للقرآن الذي يتشدقون باتباعه.
قال الله تعالى:) هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ((الجمعة:2).، وقال عز وجل:
) كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ((البقرة: 151).، وقال سبحانه:) وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ((النساء:113). وقال تعالى:) واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ((البقرة:231). ففي هذه الآيات إخبار من الله سبحانه وتعالى أنه أنزل على رسوله و حيين: الكتاب والحكمة، وقد فسر أهل العلم والإيمان الحكمة بأنها سنة رسول الله e ، ثبت ذلك عن قتادة، وروي نحوه عن أبي مالك، ومقاتل بن حيان، ويحيى بن أبي كثير ().
قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: ((فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله e ، وهذا يشبه ما قال، والله أعلم؛ لأن القرآن ذُكِرَ وأُتْبِعَتْهُ الحكمةُ، فَذَكَرَ الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يَجُزْ – والله أعلم – أن يقال هاهنا إلا سنة رسوله e ؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله)) ().
¥