أما ((أسباب التفرق والاختلاف الواجب تركها باتفاقهم () [ف] هي الجهل والهوى والتعصب، وكذلك الخطأ بقدر الوسع. فأما أن يترك أحدهم ما يراه حقا فلا قائل به، بل هو محظور باتفاقهم)) ().
وأما قول برويز: إنها مؤامرة أعجمية إيرانية: فالجواب: أن أصول هذه الكتب الستة ألفها علماء الحجاز والعراق واليمن، مثل موطأ مالك بن أنس، وموطأ عبد الله بن وهب تلميذ الإمام مالك، وموطأ ابن أبي ذئب، وسنن الشافعي، ومسند الحميدي القرشي، وجامع سفيان بن عيينة شيخ مكة، ومسند ابن أبي عمر العدني المكي، وسنن ابن جريج المكي، ومصنف عبد الرزاق الصنعاني، وجامع معمر بن راشد الصنعاني، ومصنف وكيع بن الجراح الكوفي، وحماد بن سلمة البصري، ومسند أبي داود الطيالسي البصري، ومسند ابن أبي عاصم البصري الكوفي، ومسند ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة الكوفي، ومصنف أبي الربيع سليمان بن داود العتكي البصري، ومسند أحمد بن حنبل أكبر مسند في الدنيا وقلَّ أن يثبت حديث إلا وهو فيه ()، ومسند عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي، ومسند يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي، ومسند مسدد بن مسرهد البصري، ومسند أبي جعفر محمد بن عبد الله الكوفي، ومسند أحمد بن منيع البغدادي، ومسند عثمان بن أبي شيبة العبسي الكوفي ().
فهذه أربعة أضعاف الكتب الستة ألفها علماء الجزيرة، وكلهم في طبقة مشايخ أصحاب الكتب الستة أو مشايخ مشايخهم، أو مشايخ مشايخ مشايخهم، وهي أصول هذه الكتب الستة.
ومع ذلك لم يكونوا كلهم إيرانيين كما زعم برويز، بل بعضهم من أصول عربية بالاتفاق، فمسلم عربي من بني قشير، والترمذي عربي من بني سليم، وأبو داود عربي من قبيلة أزد.
مع أن ذمّ جنس من أجناس البشر لم يرد به شرع ولم يدل عليه عقل، بل مدح رسول الله e أهل فارس، وخرَّجت بلاد فارس علماء نوابغ في كل العلوم: تفسيراً، وحديثاً، وفقهاً، ولغة، وإنما غلب عليها الرفض أيام إسماعيل الصفوي أوائل القرن العاشر الهجري.
أما أن الكتب الستة جزء من مؤامرة أعجمية فإن كانت هناك مؤامرة أعجمية فأنتم قد حزتم النصيب الأوفر منها؛ لأنكم قمتم واستفرغتم وسعكم لنقض أصول الإسلام من أصلها، فلا مؤامرة أخبث من مؤامرتكم وهم أقرب نسباً إلى العرب منكم، فلا وجه لتعييركم إياهم بالعجمة.
الشبهة السابعة.
تتلخص هذه الشبهة في قولهم: إن الخطاب بالأحاديث كان موجهاً لأمة خاصة وهم العرب في زمن النبي e بما يوافق ظروفهم الخاصة، فلا تلزمنا طاعته إذ كانت مقيدة بزمنه، وزالت بوفاته e .
يقول الخواجه: ((اعلم أن طاعة الرسول e كانت طاعة مقيدة بزمنه، وامتثال أحكامه، لا تتجاوز حياته، وقد أوصد هذا الباب منذ وفاته عليه الصلاة والسلام)) ().
ويشرح حشمت علي هذه الشبهة فيقول: ((لقد كانت إرشاداته e تصدر وفق ظروف أصحابه، ولو كنا في تلك الآونة لوجب علينا اتباع أقواله وإرشاداته عليه الصلاة والسلام .. وكما أن خطاب القرآن عام عندنا غير أن المخاطبين بالأحاديث أمة خاصة وهم العرب)) ().
الرد:
ما أشبه قولة القرآنيين بمقالة بعض أهل الكتاب الذين قالوا: إن محمدا رسول الله لكن إلى العرب خاصة.
فنقول للقرآنيين: هل الأحاديث لازمة للعرب إلى يوم القيامة بمعنى أنهم إذا بلَّغ بعضهم بعضا كانت الحجة عليهم قائمة بذلك، فإن كنتم تقولون بذلك فما الفرق بين العرب والعجم؟ لأن رسالة الرسول e عامة للخلق كلهم إلى يوم القيامة، قال تعالى:) قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ((الأعراف:158).، وقال تعالى:) وأرسلناك للناس رسولا ((النساء: 79)، وقال سبحانه:) وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ((سبأ:28)، وقال تعالى:) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ((المائدة: 67)، حذف المفعول الثاني إرادة عموم المبلَّغين.
وقال سبحانه:) وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ((الأنعام:19) أي من بلغه القرآن ومن لم يكن في زمن الرسول e .
وقال الرسول e في وصيته يوم الحج الأكبر: (ليبلغ الشاهد
الغائب) ()، فإن كانت الحجة لا تقوم بالسنة، لما أمرهم النبي e بتبليغ الغائب الصادق على من هو في هذه الأعصر المتأخرة.
¥