تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال في شرح العقيدة الأصفهانية: فهذه الطريق التي ذكرها أبو حامد وغيره، تفضي أيضا إلى العلم من النبوة والتصديق منها بأكثر من القدر الذي تقر به المتفلسفة، وما ذكره من المشاهدات والكشوفات التي تحصل للصوفية، وأنهم يشهدون تحقيق ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام، ونفع ما أمر به، فهذا أيضا حق في كثير مما أخبر به وأمر به، ثم إذا علم ذلك صار حجة على صدقه فيما لم يعلمه كمن سلك طريقا من العلم بفن من الفنون، إذا رأى كلام متكلم في ذلك العلم ورآه يحقق ما عنده ويأتي بزيادات لا يستطيعها، فإنه يعلم بما رآه من مزيد تحقيقه لما شاركه في أصل معرفته أنه أعلم منه بما وراء ذلك كمن نظر في الطب إذا رأى كلام بقراط ومن نظر في النحو إذا رأى كلام الخليل وسيبويه، ومن نظر في العلوم الدينية إذا رآى كلام أئمة السلف، وكذلك من سلك مسلك الزهد والعبادة إذا بلغه سير زهاد السلف وعبادتهم ومن ولي الناس وساسهم إذا رأى سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز ونحوهما.

فهذا كله مما يبين له عظمة قدر هؤلاء، وأنهم كانوا أئمة في هذه الأمور وفيما يصلح ويجب من ذلك، ويعلم كل أحد الفرق بين سيرة العمرين وسيرة الحجاج والمختار بن أبي عبيد ونحوهما، بل يعلم الفرق بين سيرة بني أمية وبني العباس وبين سيرة بني بويه وبني عبيد وأمثال ذلك، كذلك يعلم الفرق بين نبينا محمد وموسى وعيسى عليهم السلام، وبين مسيلمة والأسود العنسي وأمثالهما بأدنى تأمل، وهذه الطريق ينقسم الناس فيها إلى عام وخاص بسبب علمهم بالخير والشر والصدق والكذب ونحو ذلك، وهذه تفيد العلم القطعي بأن الأنبياء أكمل الخلق وأفضلهم، وأنه لا يصلح لأحد أن يعارضهم برأيه ولا يخالفهم بهواه لكن لا يفيد العلم بحقيقة النبوة إلا أن يعترف أن النبي أعلم منه، فلا يمكنه أن يقول هو أعلم منه، فكل من حصل له من المخاطبات والمشاهدات ما يحصل للأولياء، فإنه يعلم أن الذي للأنبياء فوق الذي له من ذلك كعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فإنه قد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنه قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر» وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه» وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر» وكان عمر بهذا يعلم أن ما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي والملائكة، وما يخبره به من الغيب وما يأمر به وينهى عنه أمر زائد على قدره ومجاوز لطاقته، بل يجد بينه وبين ذلك من التفاوت ما يعجز القلب واللسان عن معرفته وتبيانه، بل كان عمر بما حصل له من المكاشفات والمخاطبة يعلم أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما أكمل منه معرفة ويقينا، وأتم صدقا وأخلاقا، وأعلم منه بقدر الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان خضوع عمر هذا الذي هو أفضل الأولياء المحدثين الملهمين المخاطبين لأبي بكر الصديق كخضوع من رأى غيره من مشاركيه في فنه أكمل منه كخضوع الأخفش لسيبويه، وزفر لأبي حنيفة، وابن وهب لمالك، ونحو ذلك، أو خضوع فقهاء المدينة لسعيد ابن المسيب وعلماء البصرة للحسن البصري وفقهاء مكة لعطاء بن أبي رباح.

وإذا كان هذا مثل عمر مع أبي بكر، لأن أبا بكر الصديق يأخذ ما يأخذه عن الرسول المعصوم عليه الصلاة والسلام الذي قد عصم أن يستقر فيما جاء به خطأ، فهو لخبرته بحال صديق النبي بهذه المثابة، وكل من كان عالما بالصحابة يعلم أن عمر رضي الله تعالى عنه كان متأدبا معظما بقلبه لأبي بكر رضي الله عنه، مشاهدا أنه أعلى منه إيمانا ويقينا، فكيف يكون حال عمر وغيره مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان هذا حال أفضل المحدثين المخاطبين، فكيف حال سائرهم ولا ريب أن الرجل كلما عظمت ولايته وعظم نصيبه من انكشاف الحقائق له كان تعظيمه للنبوة أعظم، والناس في هذه الطريق متفاوتون بحسب درجاتهم لكن طريق الصوفية لا ينهض بانكشاف جميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، بل ولا بأكثره بل عامة ما يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبو بكر وعمر -فضلا عن غيرهما- أن يعلمه بدون خبره وإن كان عند المخبرين علم بجمل ذلك أو أصله لكن ما يخبر به من التفصيل لا يعلم بدون خبره أصلا، وما يوجد في كلام أبي حامد وغيره من أن الكشف يحصل ذلك، وقول القائل أن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير