تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما أصول الدين فليس بالمستبحر فيها شغله عن ذلك قراءته علوم الفلسفة وأكسبته قراءة الفلسفة جرءة على المعاني وتسهيلا للهجوم على الحقائق لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها وليس لها شرع يزعها ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها، فلذلك خامره ضرب من الإدلال على المعاني، فاسترسل فيها استرسال من لا يبالي بغيره. قال وقد عرفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على قراءة رسائل إخوان الصفا، وهذه الرسائل هي إحدى وخمسون، كل رسالة مستقلة بنفسها، وقد ظن في مؤلفها ظنون وفي الجملة هو يعني واضع الرسائل رجل فيلسوف قد خاض في علوم الشرع فمزج ما بين العلمين وحسن الفلسفة في قلوب أهل الشرع بآيات وأحاديث يذكرها عندها.

ثم إنه كان في هذا الزمان المتأخر فيلسوف يعرف بابن سينا، ملأ الدنيا تآليف في علوم الفلسفة وكان ينتمي إلى الشرع، ويتحلى بحلية المسلمين وأَدَّتْه قوته في علم الفلسفة إلى أن تلطف جهده في رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة وتم له من ذلك ما لم يتم لغيره من الفلاسفة، قال ووجدت هذا الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير إليه في علوم الفلسفة حتى إنه في بعض الأحايين ينقل نص كلامه من غير تغيير، وأحيانا يغيره وينقله إلى الشرعيات أكثر مما نقل ابن سينا لكونه أعلم بأسرار الشرع منه، فعلى ابن سينا ومؤلف رسائل إخوان الصفا عول الغزالي في علم الفلسفة قال: وأما مذهب المتصوفة فلست أدري على من عول فيها ولا من ينتسب إليه في علمها قال: وعندي أنه على أبي حيان التوحيدي الصوفي عول على مذاهب الصوفية.

وقد علمت أن أبا حيان هذا ألف ديوانا عظيما في هذا الفن ولم يصل إلينا منه شيء، ثم ذكر أن في الإحياء فتاوى مبناها على ما لا حقيقة له، مثل ما استحسن في قص الأظافر أن يبدأ بالسبابة لأن لها الفضل على بقية الأصابع لكونها المسبحة، ثم بالوسطى لأنها ناحية اليمين، ثم باليسرى على هيئة دائرة وكأن الأصابع عنده دائرة، فإذا أدار أصابعه مر عليها مرور الدائرة، ثم يختم بإبهام اليمنى هكذا حدثني به من أثق به عن الكتاب، قال فانظر إلى هذا كيف أفاده قراءة الهندسة وعلم الدوائر وأحكامها أن نقله إلى الشرع فأفتى به المسلمين، قال وحمل إلى بعض الأصحاب من هذا الإملاء الجزء الأول فوجدته يذكر فيه أن من مات بعد بلوغه ولم يعلم أن الباري قديم مات مسلما إجماعا، ومن تساهل في حكاية الإجماع في مثله هذا الذي الأقرب أن يكون فيه الإجماع بعكس ما قال، فحقيق أن لا يوثق بكل ما ينقل وأن يظن به التساهل في رواية ما لم يثبت عنده صحته، قال ثم تكلم المازري في محاسن الإحياء ومذامه ومنافعه ومضاره بكلام طويل ختمه، بأن من لم يكن عنده من البسطة في العلم ما يعتصم به من غوائل هذا الكتاب، فإن قراءته لا تجوز له وإن كان فيه ما ينتفع به.

ومن كان عنده من العلم ما يأمن به على نفسه من غوائل هذا الكتاب، ويعلم ما فيه من الرموز، فيجتنب مقتضى ظواهرها ويكل أمر مؤلفها إلى الله تعالى، وإن كانت كلها تقبل التأويل، فقراءته له سائغة وينتفع به، اللهم إلا أن يكون ممن يقتدى به ويغتر به فإنه ينهى عن قراءته وعن مدحه والثناء عليه، قال ولولا أن علمنا أن إملاءنا هذا إنما يقرؤه الخاصة ومن عنده علم يأمن به على نفسه، لم نتبع محاسن هذا الكتاب بالثناء، ولم نتعرض لذكرها، ولكنا نحن أمنا من التغرير ولئلا يظن أيضا من يتعصب للرجل أنا جانبنا الإنصاف في الكلام على كتابه ويكون اعتقاده هذا فينا سببا لئلا يقبل نصيحتنا قال الشيخ أبو عمرو وهذا آخر ما نقلناه عن المازري، قلت ما ذكره المازري في مادة أبي حامد من الصوفية فهو كما قال المازري عن نفسه: لم يدر على من عول فيها ولم يكن للمازري من الاعتناء بكتب الصوفية وأخبارهم ومذاهبهم ما له من الاعتناء بطريقة الكلام وما يتبعه من الفلسفة ونحوها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير