لكن الأغرب من ذلك: أن يتمسك بهذه الظاهرة –بعض من لا يُحْسِنُ الفهم- ممن يَدَّعِي العلمَ ويُنْسَبُ إلى السُّنَّة!، ويَحْتَجُّونَ بِبَعضِ الآثار؛ فَيَفهَمُونَها –بِجَهْلٍ! - على غير وجهها.
فتجدهم يحتجون بأن عمر رضي الله عنه:
"كَانَ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى (تَرْتَجَّ) مِنًى تَكْبِيرًا" صحيح: أخرجه ابن منصور في "سننه" كما في "التغليق" (2/ 379)، والفاكهي في "أخبار مكة" وعلقه البخاري.
كما احتجوا كذلك بما علقه البخاري قال:
"كُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ"
لم أجد له أصلاً بهذا اللفظ، وأورده الحافظ في "التغليق" (2/ 380) بلفظ آخر؛ ولكنه ضعيف!.
فقد فهموا من هذه الآثار أن عمر كان يكبر، ويكبر الناس بتكبيره؛ يعني معه بصوت واحد!. قالوا: فإن "الارتجاج" المذكور لا يحصل إلا بذلك –زعموا-!. والرد عليهم من وجوه:
1 - إن حديث عمر رضي الله عنه ليس فيه دليل على التكبير الجماعي؛ وإنما فيه أنهم كانوا يتذكرون التكبير إذا سمعوا عمر رضي الله عنه يكبر في (مكانه)؛ فإذا سمعوه يكبر؛ كبروا بعده. فالفاء في قوله: "فيكبرون" تقتضي الترتيب والتعقيب؛ بمعنى أنهم بدأوا التكبير بعده وليس معه. ويؤيد ذلك الرواية الأخرى أن عمر رضي الله عنه: "كان يكبر في الدار ... ؛ فيسمع أهل المسجد تكبيره فيكبرون، حتى يكبر أهل السوق، حتى يكبر أهل الجمار، حتى يكبر من بين الجبلين، حتى يكبر الناس أهل الطواف" صحيح: أخرجه ابن المنذر في "الأوسط".
فإنه رضي الله عنه لم يكن معهم في مكان واحد؛ بل كان رضي الله عنه في قبته أو داره، وكان آخرون في المسجد، وآخرون في السوق .. إلخ، فكيف يُزعَم أن كل هؤلاء -على كثرتهم واختلاف أماكنهم وتباعدها- اجتمعوا على صوت واحد؟!!.
2 - أما "الارتجاج"؛ فمعناه: (الإضطراب والحركة الشديدة)؛ فيكون معنى: "تَرْتَجُّ مِنى تَكْبِيرًا" أي: تضطرب مِنَى من أصوات المكبرين. وليس في هذا أدنى دليل على اتفاق الأصوات؛ فإن من معاني (الاضطراب): (=الاختلاف والتحرك على غير انتظام) كما يقال (ارْتَجَّ البحرُ): إذا اضْطرَبَتْ أَمواجُه واختلفت، ولهذا قال ابن منظور في "لسان العرب": "رَجَّةُ القوم: اختلاط أَصواتهم". فالارتجاج بمعنى الاضطراب قد يحدث بكثرة اختلاف الأصوات. والله أعلم.
3 - ومما يؤيد ما ذكرناه في معنى "الارتجاج"؛ أنه ثبت عن الصحابة والتابعين ألفاظ مختلفة في التكبير في العيد؛ بمعنى أنهم لم يكونوا على ذكر واحد؛ فثبت–كما في "صحيح مسلم"- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نفسه) أنه قال: "غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ؛ مِنَّا الْمُلَبِّي [وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ] وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ [فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ] " زاد أنس رضي الله عنه في روايته: "وَلا يَعِيبُ أَحَدُنَا عَلَى صَاحِبِهِ".
أقول: فَأَنَّى لهم -مع هذه الاختلافات- أن يتفقوا على صوت واحد؟!.
4 - أن الذكر (بهيئة الاجتماع) نزعة صوفية؛ فلا يخفى -على طالب علم! - ما أنكره الصحابة على مجموعة الذاكرين في مسجد الكوفة؛ إذ كانوا يذكرون الله (بهيئة جماعية)، فصرح لهم ابن مسعود رضي الله عنه ببدعية عملهم - أخرجه "الدارمي" وصححه الألباني والحويني-؛ فكيف -والأمر كذلك- أن يُدَّعَى أن الصحابة كبروا بهيئة الاجتماع؟!، «سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ».
???????????????????????????????????????انتهى
هذا هو الجزء المخصص للمدارسة؛ لمن أراد ذلك.
أما باقي الرسالة؛ ففتاوى العلماء، وما فيها من أدلة لا يعدو عما ذكرناه في هذا الجزء.
فمن يريد مدارسة الرسالة؛ فليتفضل مشكورًا.
ـ[إسماعيل سعد]ــــــــ[09 - 09 - 08, 06:38 م]ـ
جزاكم الله خيرا وسنوالي المدارسة في الأوقات التالية من الليلة إن شاء الله تعالى.
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[11 - 09 - 08, 12:15 ص]ـ
للرفع والإفادة
ـ[إسماعيل سعد]ــــــــ[11 - 09 - 08, 02:54 ص]ـ
معذرة على التأخر فلقد عوقتني ظروف طارئة.
وفي الغد التلاقي على حب الله ونصرة شريعته.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[11 - 09 - 08, 07:09 ص]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=31048#post31048
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[11 - 09 - 08, 04:30 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=31048#post31048
أرجو أن تكون هذه الردود التي أوردها أخونا (ابن وهب) كافية لأخينا (إسماعيل بن سعد)؛ فلا أظنه سيجيء بأكثر منها في الرد على رسالتي.
وللعلم؛ لقد رددت ردًا شافيًا على كل ذلك -بفضل الله- في أصل رسالتي (الكبيرة).
أما هذا (المختصر) الذي نشرتُه في هذا المنتدى؛ فلا يستوعب ذكر جميع الأدلة، والرد على سائر الشبهات؛ والله المستعان.
ولعل الله ييسر لي أن أنشر أصل الرسالة عليكم في هذا المنتدى إن شاء الله.
¥