تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن نصوص القرآن والسُّنَّة، جاءت على وفق ما تقتضيه اللغة في المفردات والتراكيب، ففيها اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى، وفيها ما يحتمل الحقيقة والمجاز، والعام والخاص، والمطلق والمقيد.

وأما طبيعة البشر:

فقد خلقهم الله مختلفين، فكل إنسان له شخصيته المستقلة، وتفكيره المتميز، وميوله الخاصة، ومن العبث صب الناس في قالب واحد، ومحو كل اختلاف بينهم، فهذا أمر مخالف للفطرة التي فطر الله عليها الناس.

وأما طبيعة الكون والحياة:

فالكون الذي نعيش في جزء صغير منه، خلقه الله - سبحانه - مختلف الأنواع والصور والألوان، وهذا الاختلاف ليس اختلاف تضارب وتناقض بل هو اختلاف تنوع.

وكذلك طبيعة الحياة، فهي أيضا تختلف وتتغير بحسب مؤثرات متعددة، في المكان والزمان.

فالخلاف سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية، قال الله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود: 118].

وفي الأثر:" لَا يَزَال النَّاس بِخَيْرٍ مَا تَفَاضَلُوا فَإِذَا تَسَاوَوْا هَلَكُوا" يَعْنِي لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا كَانَ فِيهِمْ أَهْل فَضْل وَصَلَاح وَخَوْف مِنَ اللَّه يُلْجَأ إِلَيْهِمْ عِنْد الشَّدَائِد وَيُسْتَشْفَى بِآرَائِهِمْ وَيُتَبَرَّك بِدُعَائِهِمْ وَيُؤْخَذ بِتَقْوِيمِهِمْ وَآثَارهمْ. (8).

الاختلاف رحمة (9):

الاختلاف مع كونه ضرورة، هو كذلك رحمة بالأمة وتوسعة عليها.

ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمور جزئية كثيرة، ولم يضيقوا ذرعا بذلك بل نجد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم: "ما يسرني أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة".

فهم باختلافهم أتاحوا لنا فرصة الاختيار من أقوالهم واجتهاداتهم، كما أنهم سنوا لنا سنة الاختلاف في القضايا الاجتهادية، وظلوا معها إخوة متحابين.

الاختلاف ثروة:

اختلاف الآراء الاجتهادية يثري الفقه، وينمو ويتسع، لأن كل رأي يستند إلى أدلة واعتبارات شرعية.

وبهذا التعدد والتنوع تتسع الثروة الفقهية التشريعية، وإن تعدد المذاهب الفقهية وكثرة الأقوال كنوز لا يقدر قدرها وثروة لا يعرف قيمتها إلا أهل العلم والبحث، فقد يكون بعضها أكثر ملاءمة لزمان ومكان من غيره (10).


ولكن غالب أنواع الحوار اليوم لا يلتزم فيها بآداب الإسلام وقيمه العليا، ومن ثم فلا تؤتي أكلها.
وكثير من الناس المختلفين في الفروع العقدية أو الفقهية أو السياسية،لا يقبلون بالرأي الآخر، ويعتبرونه ضلالاً أو بدعة منكرة، أو زندقة أو شذوذا وانحرافاً عن سواء السبيل.
بل يجعلون فهمهم للدين هو الفهم الحق وما سواه فباطل، وكل ذلك خلل في فهم هذه الرسالة الخاتمة، فقد شاء الله تعالى أن تكون معظم النصوص الشرعية (في القرآن والسنة) ظنية الدلالة، تحتمل وجوها كثيرة، فكيف نلزم الناس بواحد منها؟
والصواب أن يقال رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب، وغالب الخلافات بين المسلمين اليوم ليس بين قطعي الشريعة وظنيها، بل بين ظنين محتملين أو ظنون محتملة، فكيف نزعم أنها حق وما سواها باطل؟!!!
وكل النصوص الظنية الدلالة لا يقال فيها صواب وخطأ، بل كلها صواب ومرادة للشارع الحكيم.
وأعداء هذه الأمة يوقعون بين أفرادها وجماعاتها، ويفرقون صفوفهم من هذا الباب.
ولذلك تجد كل واحد منهم متعصب لرأيه أو جماعته، ولا يقبل رأيا آخر بتاتاً مهما كان قويا.
ومن لم يكن رائده تقوى الله تعالى وبغية الحق، لن يصل إليه ولو عمر بعمر النبي نوح عليه السلام ففي صحيح مسلم (1847) عن أبي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَىِّ شَىْءٍ كَانَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَتْ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
هذا وقد قسمته لتمهيد وبابين:
أما التمهيد، فتكلمت فيه عن أصول أدب الحوار بين المختلفين ...
وأما الباب الأول -أصول الحوار، وهو مجموعة من البحوث والمقالات حول هذا الموضوع
وأما الباب الثاني فعن آداب الاختلاف بين المسلمين، وهو مجموعة من البحوث والمقالات.
وكل بحث معزو لصاحبه أو مصدره، وغالبها من المواقع التالية:
صيد الفوائد، شبكة نور الإسلام، الإسلام اليوم، الشبكة الإسلامية، والإسلام سؤال وجواب، والمختار الإسلامي ....
ومن أراد تفصيل أسباب الاختلاف بين الفقهاء فليرجع إلى كتابي ((الخلاصة في بيان أسباب الاختلاف الفقهاء)) وهو على الشبكة في صيد الفوائد والمشكاة وغيرهما.
أسأل الله تعالى أن ينفع به جامعه وقارئه وناقله والدال عليه وناشره في الدارين.
جمعه وأعده
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 23 رمضان 1429 هـ الموافق ل 23/ 9/2008 م

ـــــــــــــــــــ
(1) - المستدرك للحاكم (3608) صحيح
(2) - صحيح البخارى (3234)
(3) - مجموع الفتاوى - (ج 3 / ص 229)
(4) - مجموع الفتاوى - (ج 6 / ص 502)
(5) - صحيح البخارى برقم (7352) وصحيح مسلم برقم (4584)
(6) - آداب الحوار وقواعد الاختلاف - (ج 1 / ص 31)
(7) - آداب الحوار وقواعد الاختلاف - (ج 1 / ص 32)
(8) - انظر: [فتح الباري 13/ 16].
(9) - مجموع الفتاوى - (ج 30 / ص 80) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 88) وأبحاث هيئة كبار العلماء - (ج 3 / ص 177) والصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم - (ج 1 / ص 37)
(10) - الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم، للقرضاوي، ص 53.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير