(وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين، أو على أخذ أموالهم أو سبيهم، فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافراً، لأنه لم يأت شيئا أوجب به عليه كفراً قرآن أو إجماع.
وإن كان حكم الكفار جارياً عليه فهو بذلك كافر، على ما ذكرنا، فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافراً. والله أعلم) انتهى.
الناقض التاسع
(من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلَّم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهو كافر).
وهذا الناقض يتضمن ما ذكره المؤلف في الناقض الثالث وهو قوله: (من لم يُكفِّر المُشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم)، فمن اعتقد أن أحداً من الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلَّم، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهو لم يُكفر ما دان به من دين غير الإسلام، ولكن هذا الناقض أوسع.
وهذا الناقض يتضمن إنكاراً لنصوص الكتاب والسنة التي تبين عموم الرسالة التي أرسل بها نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، وإبطالاً لها، فقد أرسله الله للناس كافه.
قال تعالى: [سَبَإ: 28] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي إلا إلى جميع المكلفين من الخلق.
وقال تعالى: [الأعرَاف: 158] {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
وقال تعالى: [الفُرقان: 1] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا *}.
بشيراً ونذيراً أي تبشر من أطاعك وأمتثل أمرك بالجنة وتنذر من عصاك بالنار.
قال تعالى: [آل عِمرَان: 19] {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلاَمُ} أي لا دين عند الله يقبله سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بنبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إلى الله إلا من جهته فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين غير شريعته فليس بمتقبل منه ذلك كما قال تعالى: [آل عِمرَان: 85] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} وقال جل وعلا مبيناً انحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام: ُ د آ ء ؤ أ ِ.
قد ثبت في «الصحيح» عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون».
وفي «الصحيح» أيضاً من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثت إلى الأسود والأحمر.
وروى أحمد في «مسنده» من حديث مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: «أمتهوكون فيها يا بن الخطاب!، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني».
ومن رد وأنكر شيئاً من الأحكام في القرآن أو السنة الثابتة المعلومة بالضرورة ولو نصاً واحداً فقد كفر، فكيف بمن رد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بالجملة.
ومن آمن بشريعة محمد فيلزمه الإيمان بعموم رسالته، وآوامره ونواهيه، وإلا لم ينفعه إيمانه ذلك.
وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في «الصحيح» من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
وهل يدخل النار من يسوغه الخروج عن شريعته؟!.
قال ابن حزم الأندلسي في «الإحكام»: (5/ 109):
(إنما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به على من سمع بأمره صلى الله عليه وسلم فكل من كان في أقاصي الجنوب والشمال والمشرق وجزائر البحور والمغرب وأغفال الأرض من أهل الشرك فسمع بذكره صلى الله عليه وسلم ففرض عليه البحث عن حاله وإعلامه والإيمان به) انتهى المقصود منه.
¥