وقد ثبت بالتواتر بالوقائع المتعددة أنه صلى الله عليه وسلم بعث كتبه ورسله يدعو ملوك الآفاق والبلدان وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم كتابيهم وأميهم إلى شريعته التي نسخت سائر الشرائع، امتثالاً لأمر الله له بذلك.
الناقض العاشر:
(الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله تعالى: [السَّجدَة: 22] {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ *}).
وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم كما في «الصحيح» من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
والإعراض عن دين الله الذي يكفر به صاحبه هو الإعراض عن تعلم أصل هذا الدين، فالإعراض عن دين الله والترك والرفض له، بأن يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، فيكفر بهذا الإعراض والترك، قال الله تعالى: [الأحقاف: 3] {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}.
وقال تعالى:
وقال تعالى: [آل عِمرَان: 32] {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ *}.
وقد نفى الله الإيمان عمن لم يأت بالعمل وإن كان قد أتى بالقول، قال تعالى: [النُّور: 47] {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ *}.
وقال تعالى: [الليْل: 14 - 16] {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى *لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَْشْقَى *الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى *}.
والتولى والإعراض ليس هو التكذيب قال تعالى: [القِيَامَة: 31 - 32] {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى *وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى *}، فجعل التولي مقابلاً للعمل لا مقابلاً للتصديق، فالتولي والإعراض هو التولي عن الطاعة والإعراض عنها.
وكما أن الكفر يكون بالاعتقاد ويكون بالجحود ويكون بالفعل ويكون بالقول فكذلك يكون بالإعراض والترك والرفض.
والإعراض عن دين الله، لا يتعلمه، و لا يعمل به، ولا يبالي بما ترك من المأمورات، و ما يقترف من المحرمات، و لا بما يجهل من أحكام، يلزم منه لزوماً ظاهراً و يدل دلالة ظاهرة على عدم الإقرار بالشهادتين باطناً ولو أقر بهما ظاهراً.
والمكلف لا يخرج من ناقض الإعراض المستلزم لعدم إقراره بالشهادتين بفعل أي خصلة من خصال البر، وشعب الإيمان، فإن من هذه الخصال ما يشترك الناس في فعله كافرهم و مؤمنهم، كالإحسان إلى الجار، وإكرام الضيف، وإماطة الأذى عن الطريق، وكف الأذى، والصدقة، وبر الوالدين، وأداء الأمانة.
وإنما يتحقق عدم الإعراض عن دين الله، و السلامة من هذا الناقض بفعل شيء من الواجبات التي تختص بها شريعة الإسلام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه و سلم كالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج، إذا فعل شيئاً من ذلك إيماناً واحتساباً سلم من الإعراض المخرج له عن دين الله.
قال شيخ الإسلام بن تيمية في «المجموع»: (7/ 621):
(فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه و سلم) انتهى.
والإعراض عن دين الله تعالى إعراض مخرج من الملة وإعراض لا يخرج من الملة:
فالإعراض المخرج من الملة:
هو ما قصده العلامة محمد بن الوهاب هنا، وقد تقدم بيانه.
والإعراض الذي لا يخرج من الملة:
هو أن يكون مع المرء أصل الإيمان، لكنه يعرض عن فعل واجب من الواجبات.
* والمعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، لا يعذر بجهله الذي يستطيع رفعه، وإلا لكان الجهل خيراً من العلم.
قال ابن القيم في «مفتاح دار السعادة»: (1/ 43):
(كل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد أن يقول يوم القيامة [الزّخرُف: 38] {يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}.
فإن قيل:
فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما قال تعالى: [الأعرَاف: 30] {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}؟
قيل:
¥