نمنع بالقوافي من هجانا، وامنعوا سفهاءكم فإذا كان اللفظ مشتقاً من المنع والمنع محال لزمك أن تمنع إطلاق حكيم على الله تعالى فلم يُجب الجبائي إلا أنه قال للأشعري: فلمَ منعتَ أنت أن يُسمى الله عاقلاً وأجزتَ أن يُسمى حكيماً؟
قال الأشعري: لآن طريقي في مأخذ أسماء الله الأذن الشرعي دون القياس اللغوي فأطلقتُ حكيماً لأن الشرع أطلقه، ومنعتُ عاقلاً لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته.
انظر هذه المناظرة في " طبقات الشافعية الكبرى " لأبي نصر عبد الوهاب السبكي (3/ 358) تحقيق الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، ودكتور محمود محمد الطناجي نشر دار هجر القاهرة سنة 1992م.
وقال ابن حزم:
" لا يجوز أن يسمى الله تعالى ولا أن يُخبر عنه إلا بما سمى به نفسه أو أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو صح به إجماع جميع أهل الإسلام المتيقن ولا مزيد، وحتى وإن كان المعنى صحيحاً فلا يجوز أن يطلق عليه تعالى اللفظ وقد علمنا يقيناً أن الله عز وجل بنى السماء قال تعالى (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذريات:47).
ولا يجوز أن يُسمى بناء، وأنه تعالى خلق أصباغ النبات والحيوان، وأنه تعالى قال (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138).
ولا يجوز أن يُسمى صَباغاً، وأنه تعالى سقانا الغيث ومياه الأرض ولا يسمى سقاء ولا ساقياً، وهكذا كل شيء لم يسم به نفسه " اهـ.
انظر " الفصل في الملل والأهواء والنحل " لأبي محمد بن حزم الظاهري (2/ 108)، (3/ 43) نشر مكتبة الخناجي بالقاهرة بدون تاريخ.
وقد ثبت من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: [اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ].
والحديث أخرجه مسلم في " صحيحه " (ك: الصلاة / بـ ما يقال في الركوع والسجود / ح 486).
وهذا دليل على أن معرفة ما أثنى الله به على نفسه لابد فيها من طريق سمعي منقول إلينا بالخبر الثابت الصحيح.
· أسماء الله الكلية وإحصاء الأسماء الحسنى:
لكن هنا مسألة تحرير جوابها وهي التمييز بين معتقد السلف في حصر أسماء الله الكلية في تسعة وتسعين اسماً ومعنى الإحصاء الذي ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ والذي فيه النص والتأكيد على ذكر العدد بقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ].
والحديث أخرجه البخاري في " صحيحه " (ك: الشروط / بـ ما يجوز من الاشتراط ... / ح 2736)، ومسلم في " صحيحه " (ك: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار / ح 2677).
لأن بعض المتوسعين في إحصاء الأسماء تصور أن أسماء الله الحسنى التي وردت في الكتاب والسنة تزيد عن هذا العدد بكثير مما أدى إلى تضارب المعاني حول فهم حديث أبي هريرة رضي الله عنه فما الحكمة إذاً من النص على هذا العدد بالذات؟
وهل من أحصى تسعة وتسعين اسماً من جملة أسماء الله الواردة في الكتاب والسنة فقد تحقق فيه الوصف بدخول الجنة؟
وإن كان هذا هو المعنى المقصود فما عدد الأسماء الموجود لدينا بالنص الصريح؟
وما ميزة العدد الذي سيحصيه المسلم باختياره هو عن العدد المتبقي؟
وهل قضية إحصاء التسعة والتسعين متروكة لاختيار الشخص أم لحكم الدليل والنص؟
أسئلة كثيرة تتوجه إلى جعل أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة أكثر من مائة إلا واحداً.
لكن نود التنبيه على هذه القضية من خلال اعتقاد السلف المبني على النصوص القرآنية والنبوية أنه لاشك في أن جملة أسماء الله تعالى الكلية تُعد من الأمور الغيبية التي استأثر الله بها، وأنها غير محصورة في عدد معين، ولا يفهم من الأحاديث التي وردت في ذكر التسعة والتسعين حصرها جميعها.
أما ما تعرف الله به إلى عبادة من أسمائه الحسنى التي وردت في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي الأسماء المذكورة في العدد النبوي المخصوص عند تمييزها عن الأوصاف، وإخراج ما قُيد منها بالإضافة أو انقسام المعنى، وتحري ثبوتها بالنص وتتبعها بالدليل، وهذه إحدى النتائج التي توصل إليها البحث.
وللحديث تتمه إن شاء الله
ـ[شهاب الدين]ــــــــ[02 - 09 - 04, 08:36 م]ـ
السلام عليكم
بارك الله فيكم
¥