تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و قد قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [سُورَةُ البَقَرَةِ: 193].

و هذه المسألة هي في الرجل أو الطائفة يقاتل منهم أكثر من ضِعْفَيهم إذا كان في قتالهم منفعة للدين، و قد غلب على ظنهم أنهم يُقتلون.

· كالرجل: يحمل وحده على صف الكفار و يدخل فيهم.

و يسمي العلماء ذلك: "الانغماس في العدو"؛ فإنه يغيب فيهم كالشيء ينغمس فيه فيما يغمره.

· و كذلك الرجل يقتل بعض رؤساء الكفار بين أصحابه.

مثل أن يَثِبَ عليه جَهْرةً إذا اختلسه، و يرى أنه يقتله و يُقتل بعد ذلك.

· و الرجل: ينهزم أصحابُه فيقاتل وحده أو هو و طائفة معه العدو و في ذلك نكاية في العدو، و لكن يظنون أنهم يُقتلون.

فهذا كله جائز عند عامة علماء الإسلام من أهل المذاهب الأربعة و غيرهم.

و ليس في ذلك إلا خلاف شاذ.

و أما الأئمة المتَّبعون كالشافعي و أحمد و غيرهما فقد نصوا على جواز ذلك، و كذلك هو مذهب أبي حنيفة، و مالك و غيرهما.

و دليل ذلك: الكتاب، و السنة، و إجماع سلف الأمة.

أما الكتاب:

فقد قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [سُورَةُ البَقَرَةِ: 207].

و قد ذُكر أن سبب نزول هذه الآية:

أن صهيباً خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلحقه المشركون وهو وحده.

فَنَثَلَ كنانته، و قال: و الله لا يأتي رجل منكم إلا رميته. فأراد قتالهم وحده، و قال: إن أحببتم أن تأخذوا مالي بمكة فخذوه، و أنا أدلكم عليه.

ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ربح البيع أبا يحيى".

و روى أحمد بإسناده: أن رجلا حمل وحده على العدو فقال الناس: ألقى بيده إلى التهلكة. فقال عمر: كلا بل هذا ممن قال الله فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [سُورَةُ البَقَرَةِ: 207].

و قوله تعالى: {يَشْرِي نَفْسَهُ} أي يبيع نفسه، فيقال شراه و باعه سواء، و اشتراه و ابتاعه سواء، و منه قوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 20] أي باعوه.

فقوله: {يَشْرِي نَفْسَهُ} أي يبيع نفسه لله تعالى ابتغاء مرضاته و ذلك يكون بأن يبذل نفسه فيما يحبه الله و يرضاه، و إن قتل أو غلب على ظنه أنه يقتل.

كما قال تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ التَّوْبِةِ: 111 - 112].

و هذه الآية و هي قوله: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} تدل على ذلك أيضا.

فإن المشتري يسلم إليه ما اشتراه، و ذلك ببذل النفس و المال في سبيل الله و طاعته، و إن غلب على ظنه أن النفس تقتل و الجواد يعقر، فهذا من أفضل الشهادة.

لما روى البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني أيام العشر.

قالوا: يا رسول الله: و لا الجهاد في سبيل الله؟

قال: "و لا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه و ماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء". و في رواية: "يعقر جواده و أهريق دمه".

و في "السنن" عن عبدالله بن حبشي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل؟ قال: طول القيام.

قيل: أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقلّ.

قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير