قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه و ماله.
قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه و عقر جواده ".
و أيضا فإن الله سبحانه قد أخبر أنه أمر خليله بذبح ابنه ليبتليه هل يقتل ولده في محبة الله و طاعته؟!
و قتل الإنسان ولده قد يكون أشق عليه من تعريضه نفسه للقتل، و القتال في سبيل الله أحب إلى الله مما ليس كذلك.
و الله سبحانه أمر إبراهيم بذبح ابنه قربانا؛ ليمتحنه بذلك و لذلك نسخ ذلك عنه لما علم صدق عزمه في قتله؛ فإن المقصود لم يكن ذبحه لكن ابتلاء إبراهيم.
و الله تعالى يبتلي المؤمنين ببذل أنفسهم؛ ليقتلوا في سبيل الله و محبة رسوله؛ فإن قتلوا كانوا شهداء، و إن عاشوا كانوا سعداء.
كما قال: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [سُورَةُ التَّوْبِةِ: 52].
و قد قال لبني إسرائيل: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [سُورَةُ البَقَرَةِ: 54].
أي: ليقتل بعضكم بعضا. فألقى عليهم ظلمة، حتى جعل الذين لم يعبدوا العجل يقتلون الذين عبدوه.
فهذا الذي كان في شرع من قبلنا من أمره بقتل بعضهم بعضا قد عوضنا الله بخير منه و أنفع؛ و هو جهاد المؤمنين عدو الله و عدوهم و تعريضهم أنفسهم لأن يقتلوا في سبيله بأيدي عدوهم لا بأيدي بعضهم بعضا، و ذلك أعظم درجة و أكثر أجرا.
و قد قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 66 - 68].
و أيضا فإن الله أمر بالجهاد في سبيله بالنفس و المال مع أن الجهاد مظنة القتل بل لا بد منه في العادة من القتل.
و ذمّ الذين ينكلون عنه خوف القتل و جَعَلهم منافقين، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ} إلى قوله: {فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 77 - 78].
و قال تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولاً * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} [سُورَةُ الأَحْزَابِ: 15 - 17].
فأخبر سبحانه:
· أن الفرار من الموت أو القتل لا ينفع بل لا بد أن يموت العبد و ما أكثر من يفرُّ فيموت أو يقتل، و ما أكثر من ثَبَتَ فلا يُقتل.
· ثم قال: و لو عشتم لم تُمتعوا إلا قليلا ثم تموتوا.
· ثم أخبر أنه لا أحد يعصمهم من الله؛ إن أراد أن يرحمهم أو يعذبهم، فالفرار من طاعته لا ينجيهم.
· و أخبر أنه ليس لهم من دون الله ولي و لا نصير.
و قد بين في كتابه أن ما يوجبه الجبن من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار، فقال: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [سُورَةُ الأَنْفَالِ: 15 - 16].
وأخبر أن الذين يخافون العدو خوفا منعهم من الجهاد منافقون فقال: {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [سُورَةُ التَّوْبِةِ: 56 - 57].
¥