لكن سبحان الله، فُتحتْ له أبواب الدنيا الثمانية.
الأسئلة:
في الحقيقة، لقد لفت نظري أن الأسئلة هذه المرة أغلبها حديثية، في علم الحديث وفي بعض ما قلناه في هذه المحاضرة.
س/ قلتم إن العلماء متفقون على حجية الإجماع، فلماذا رد الشوكاني حجية ذلك؟
ج/ لا .. الشوكاني لا يرد حجية الإجماع، لكن الشوكاني يقول: إن ادعاء الإجماع صعب. انظر إلى الفرق بين الاثنين. فالشوكاني يقول: لو ثبت إجماع كان حجة. لكن يقول: مسائل كثيرة ادعى الناس فيها الإجماع.
فمثلا أنت تقول: العلماء متفقون على المسألة الفلانية، فأسألك: آتفقوا على هذه؟ إما أن تقول نعم فتثبت بالدليل أنهم اتفقوا، أو لا يكون إجماعاً إذا لم يتفقوا. إنما ردّ الإجماعَ المعتزلةُ، لكن أهل السنة والجماعة متفقون على قبول الإجماع حيث وقع. لكن قد يقولون لك في مسألة ما: ليس فيها إجماع. وليس لأنهم لا يحتجون بالإجماع ..
س/ إذا كان البخاري التزم شرطه في كل مصنفاته، فكيف تفسر وجود أحاديث ضعيفة في (التاريخ الكبير) و (الأدب المفرد)؟
ج/ كلا .. البخاري اشترط الصحة في أصل الحديث، ولكن صحيح البخاري غير تاريخ البخاري، فقد قال البخاري عن صحيحه: أنا ألتزم فيه الصحة، [وهكذا] لا ألزم البخاري إلا بصحيحه فقط، ولذلك حين نقول: صحيح على شرط البخاري .. أي في صحيحه، ليس في تاريخه ولا في الأدب المفرد ولا في أي كتاب من كتبه. لكن البخاري إذا صحح حديثاً فهو يشترط شرطه المنسوب إليه في أصل الصحة. يعني مثلا كتاب (العلل الكبير) للترمذي حين يسأل فيقول: سألت محمداً عن الحديث الفلاني، فإذا قال البخاري: صحيح .. فهو صحيح. لكن لماذا لم يجعله في الصحيح؟ نقول: لأنه لم يلتزم إخراج كل الأحاديث الصحيحة في صحيحه، إنما كان ينتقي منها.
إذن هذا لا يعني أنه حين يورد حديثاً في كتاب من الكتب أن يكون صحيحاً .. لا .. بل أغلب الأحاديث الموجودة في (التاريخ الكبير) أحادث معلّة، أوردها البخاري لينبه على عللها.
س/ ما هو الاختلاط؟
ج/ قلنا أصل الاختلاط هو اختلاط في الضبط، يعني كما قلت لكم، شخص حصل له اختلال في عقله، دخل عليه ابنه قال له [الأب]: أنت ابن مَن؟ فهو اختلط أم لا؟ اختلط .. فنرى من الذي قابله وسمع منه قبل أن يقول هذا الكلام، وبعد أن يقول هذا الكلام، لأن بعد ذلك، كل من أخذ عنه سيأخذ عنه وهو مختل، فنحن نقول: كل من أخذ عن هذا الراوي بعد أن اختل واختلط وتخبط لن نقبله، لكن قبل الاختلاط حين كان حفظه جيداً، نرى من روى عنه قبل ذلك، فمن روى عنه قبل أن يختل حفظه، فحديثه صحيح، ومن روى عنه بعد أن اختل حفظه، فحديثه ضعيف، إلا أن يُتابع من وجه آخر.
س/ هل صحيح أن الشيخ الألباني ضعّف أحاديث من صحيح البخاري ومسلم؟
ج/ نعم، الشيخ الألباني فعلا فعل ذلك، وأنا لي رأي في بعض الأحاديث التي تكلم فيها الشيخ بتضعيف في الصحيحين، والمسألة كما قلت لكم في النهاية هي اختلاف في الأسانيد وليس في المتون، وأنا في اعتقادي أن الأحاديث المتكلم فيها في الصحيحين، أحاديث منتقاة، أي أن البخاري انتقى من الأحاديث المتكلم فيها مالم ينكروه عليه، وكذلك مسلم انتقى من الأحاديث المتكلم فيها مالم ينكروه عليه.
لكن أرى أحياناً أن الشيخ الألباني رحمه الله قد يأتي بكلام عام على الراوي ويضعف الحديث به، دون الالتفات إلى هذه النكتة التي ذكرتها، وعدم اعتبار هذه النكتة لن يجعل عشرة أو خمسة عشر حديثا في البخاري ومسلم ضعيفة، بل تخرج عشرات الأحاديث في البخاري ومسلم، إذا كان سيأتي للراوي ويحكم عليه الحكم العام الموجود في الترجمة، دون الالتفات إلى أن البخاري ينتقي، فالبخاري بما لهُ من الإمامة والنظر والحفظ، قال: اشترطتُ إخراج الصحيح وأنا إمام كبير مميِّز، فانتقى من حديث راو مُتكلّم فيه حديثاً، ألا يمكن أن يقال: إن هذا الراوي وهم في هذا الحديث الذي انتقاه البخاري على عيوبه ووضعه في كتابه الذي اشترط فيه الصحة؟ فكأن البخاري لا يميّز، وهذه مسألة لا يمكن إهمالها.
¥