تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

معارفهم من غير أن يأخذ بعضهم عن بعض.

ثم إن الصوفية الذين يعدون الكشف من ثمرات طريقتهم، لا يقول أهل

الصدق والعرفان منهم: إن الكشف دليل شرعي، بل يعدون من شروط الاعتداد

بصحته موافقته للشرع. قال محيي الدين في فتوحاته:

كل كشف شهد الشرع له فهو علم فيه فلتعتصم

وقالوا: إن الكشف إذا جاء بخلاف ما علم من الشرع فهو باطل، ويعدونه

من وحي الشياطين، ولهم في ذلك حكايات غريبة، ولم أر من علماء الأصول من

بالغ في التسليم بما نقل من الإلهام والكشف، حتى ما علم عند المحدثين أنه لم يصح

مثل أبي إسحاق الشاطبي الغرناطي صاحب الموافقات، فإنه عد من الأصول كون

المزايا والمناقب عامة، كعموم الأحكام والتكاليف بين النبي صلى الله عليه وسلم

وأمته، إلا ما ثبت أنه خاصة به، وذلك مما افتحره لم يسبقه إلى القول به أحد من

أئمة المسلمين، وإن قال جمهور المتكلمين: ما جاز أن يكون معجزة جاز أن يكون

كرامة وهو خلاف التحقيق. وقد ذكر من فروعه الخوارق من الفراسة الصادقة،

والإلهام الصحيح، والكشف الواضح، والرؤيا الصالحة. واشترط للعمل بذلك ما

بينه في المسألة الحادية عشرة من النوع الرابع من المقاصد قال:

(إن هذه الأمور لا يصح أن تراعى وتعتبر، إلا بشرط أن لا تخرم حكمًا

شرعيًّا ولا قاعدة دينية، فإن ما يخرم قاعدة شرعية أو حكمًا شرعيًّا ليس بحق في

نفسه، بل هو إما خيال أو وهم، وإما إلقاء من الشياطين وقد يخالطه ما هو حق

وقد لا يخالطه، وجميع ذلك لا يصح اعتباره من جهة معارضته لما هو ثابت

مشروع، وذلك أن التشريع الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم عام لا

خاص، كما تقدم في المسألة قبل هذا، وأصله لا ينخرم، ولا ينكسر له اطراد، ولا

يحاشى من الدخول تحت حكمه مكلف. وإذا كان كذلك فكل ما جاء من هذا القبيل

الذي نحن بصدده، مضادًّا لما تمهد في الشريعة فهو فاسد باطل).

ومن أمثلة ذلك مسألة سئل عنها ابن رشد في حاكم شهد عنده عدلان مشهوران

بالعدالة في أمر، فرأى الحاكم في منامه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: لا

تحكم بهذه الشهادة فإنها باطل، فمثل هذا من الرؤيا لا يعتبر بها في أمر ولا نهي،

ولا بشارة ولا نذارة؛ لأنها تخرم قاعدة من قواعد الشريعة، وكذلك سائر ما يأتي من

هذا النوع، وما روي أن أبا بكر رضي الله عنه أنفذ وصية رجل بعد موته برؤيا

رؤيت، فهي قضية عين، لا تقدح في القواعد الكلية لاحتمالها، فلعل الورثة رضوا

بذلك، فلا يلزم منها خرم أصل، وعلى هذا لو حصلت له مكاشفة بأن هذا المعين

مغصوب أو نجس، أو أن هذا الشاهد كاذب، أو أن المال لزيد، وقد تحصل بالحجة

لعمرو، أَوْ مَا أشبه ذلك، فلا يصح له العمل على وفق ذلك ما لم يتعين سبب ظاهر،

فلا يجوز له الانتقال إلى التيمم، ولا ترك قبول الشاهد، ولا الشهادة بالمال لزيد

على حال، فإن الظواهر قد تعين فيها بحكم الشريعة أمر آخر، فلا يتركها اعتمادًا

على مجرد المكاشفة أو الفراسة، كما لا يعتمد فيها على الرؤيا النومية، ولو جاز ذلك

لجاز نقض الأحكام بها، وإن ترتبت في الظاهر موجباتها، وهذا غير صحيح بحال،

فكذا ما نحن فيه، وقد جاء في الصحيح: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن

يكون ألحن بحجته من بعض، فأحكم له، على نحو ما أسمعه منه)، الحديث، فقيد

الحكم بمقتضى ما يسمع، وترك ما وراء ذلك، وقد كان كثير من الأحكام التي تجري

على يديه يطلع على أصلها وما فيها من حق وباطل. ولكنه - عليه السلام - لم يحكم

إلا على وفق ما سمع، لا على وفق ما علم، وهو أصل في منع الحاكم أن يحكم

بعلمه وقد ذهب مالك في القول المشهورعنه، أن الحاكم إذا شهدت عنده العدول بأمر

يعلم خلافه، وجب عليه الحكم بشهادتهم إذا لم يعلم منهم تعمد الكذب؛ لأنه إذا لم يحكم

بشهادتهم كان حاكمًا بعلمه، هذا مع كون علم الحاكم مستفادًا من العادات التي لا ريبة

فيها، لا من الخوارق التي تداخلها أمور، والقائل بصحة حكم الحاكم بعلمه فذلك

بالنسبة إلى العلم المستفاد من العادات لا من الخوارق ولذلك لم يعتبره رسول الله

- صلى الله عليه وسلم - وهو الحجة العظمى، وحكى ابن العربي عن قاضي القضاة

الشاشي المالكي ببغداد أنه كان يحكم بالفراسة في الأحكام جريًا على طريقة إياس ابن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير