شريككم. فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا، قال: نهانا عمر بن الخطاب.
وعن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس
على جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمعني، وكنت
أسبح (تعني أنها تصلي) فقام قبل أن أقضي تسبيحي، ولو أدركته لرددت عليه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم.
(وعن أبي الطفيل قال: سمعت عليًّا على المنبر يقول: أتحبون أن يكذب
الله ورسوله لا تحدثوا الناس إلا بما يعلمون.
وعن أبي هريرة أنه كان يقول: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعائين: فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم هذا البلعوم (والبلعوم:
الحلقوم) وعنه أنه قال: لقد حثدتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب
لضربني عمر بالدرة اهـ.
أقول: فلو طال عمْر عمر حتى مات أبو هريرة في عصره لما وصلت إلينا
تلك الأحاديث الكثيرة عنه، ومنها 446 حديثًا في البخاري ما عدا المكرر.
وقد ذكر ابن عبد البر لنهي عمر وهو أمير المؤمنين عن التحديث تأويلات
(منها) أنه (إنما كان لقوم لم يكونوا أحصوا القرآن فخشى عليهم الاشتغال بغيره
عنه إذ هو الأصل لكل علم) وأقول: إن ما رواه في ذلك عن قرظة ينافي ذلك،
فقد نهاهم عن تحديث قوم يحفظون القرآن، يفتأون يتلونه لأصواتهم به دوي كدوي
النحل. ولو أراد نهيًا مقيدًا بهذا القيد لقال: لا تحدثوا إلا من حفظ القرآن. وقد
عزا هذا القول لأبي عبيد قال: (وقال غيره: إنما نهى عمر عن الحديث عما لا يفيد
حكمًا ولا سنة) وهذا أضعف مما قبله وقد عزاه إلى مجهول، وماذا يعني قائله
بالحديث الذي لا يفيد حكما ولا سنة؟ أهي الأحاديث عن شمائله صلى الله عليه
وسلم وأخلاقه؟ كيف وهي أنفع من أحاديث الأحكام الفقهية؟
ثم ذكر أن بعضهم رد حديث قرظة هذا؛ لأن الآثار الثابتة عن عمر خلافه
وذكر من هذه الآثار أمر عمر أن يبلغ عنه أن الرجم مما أنزله الله على نبيه في
الكتاب. أقول: وهذا الأثر لا يصلح دليلاً؛ لأنه إنما نهى عن اشتغال الناس
بالحديث عن الكتاب الذي هو أصل الدين. فإذا ادعي مدع أن عمر ما كان يريد أن
يجعل الحديث أصلاً من أصول الدين، يمكنه أن يقول: إن حكم الرجم في رأيه من
أحكام القرآن لا من أحكام الحديث غايته أن آيته نسخت تلاوتها، فالأمر بتبليغه أمر
بتبليغ حكم قرآني، فلا يعارض النهي عن التحديث.
ثم ذكر وجهًا آخر لرد حديث قرظة، وهو معارضة الكتاب والسنن له كقوله
تعالى ? لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ? (الأحزاب: 21) وقوله:
? وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ? (الحشر: 7) وقوله: ? وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ? (الشورى: 52) قال: ولا سبيل إلى اتباعه والتأسي به إلا بالخبر عنه.
وقد يجاب عن هذا بأن صراطه المستقيم هو القرآن والسياق يعين ذلك، وأن
من يعمل بالقرآن يكون متأسيًا به لحديث عائشة في صحيح مسلم وغيره (كان خلقه
القرآن) وأن سنته التي يجب أن تكون أصل القدوة، هي ما كان عليه هو وخاصة
أصحابه عملاً وسيرة، فلا تتوقف على الأحاديث القولية. وأما الأمر بأخذهم ما
يعطيهم الرسول فهو في قسمة الفيء ونحوه ما في معناه، والحديث الذي نحن
بصدده لا يعارض ذلك.
وذكر من أمثلة معارضته السنن حديث (نضّر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها
ثم أداها إلى من لم يسمعها) بناء على جعلهم الأحاديث القولية من السنن، وهو
اصطلاح للعلماء توسعوا فيه بمعنى السنة، فجعلوها أعم مما كان يريده الصحابة
من هذا اللفظ (السنة) وهي الطريقة المتبعة التي جرى عليها العمل. والحديث
يصلح معارضًا للنهي عن التحديث وبينهما يطلب الترجيح. ويقول ابن عبد البر: إن
عمر كان يريد النهي عن الإكثار لا عن أصل التحديث، وهو كما ترى، وإن الأخذ
بالمرفوع مقدم. أقول: وههنا شيء آخر وهو إقرار الصحابة لعمر على نهيه، وقد
يعارضه أنهم حدثوا فلم ينتهوا، وقد مر بك أن أبا هريرة كان يحدث بعده، فكأن
اجتهادهم اختلف في المسألة.
ومما ذكره ابن عبد البر عن عمر في معارضة حديث النهي قوله: (تعلموا
الفرائض والسنة كما تتعلمون القرآن) فسوّى بينهما، وعن مورق العجلي أنه قال:
¥