وقد اتخذ المغرضون - أمثال عبد العزيز فهمي وزير المعارف المصري - هذه الثغرة للطعن في الكتابة العربية وفي دعوتهم الأثيمة بكتابة الحروف العربية بالأحرف الاتينية بدعوى أن القارئ للخط العربي يفهم ثم يقرأ- وهذا حقٌ في الكتابة العربية غير مشكولة، ولكنه غير وارد في الكتابة المشكولة بالضبط الكامل لانتفاء السبب - وقد تناسوا إن جهلا أو حقدا وعمدا أن ترك الشكل في اللغة العربية ليس أصلا من أصولها بل العكس. وبناء على ما سبق فالضبط الكامل للنصوص واجب لتفادي هذا العيب الجسيم في الكتابة العربية غير المشكولة، وكما أن الحرف الفرعي في الكتابة اللاتينية لا يمكن الاستغناء عنه لاتصاله بالحرف الأصلي خطا، فكذلك الحركة الإعرابية في الكتابة العربية لا يمكن الاستغناء عنها وإن انفصلت عن الحرف العربي خطا، فكلاهما جزء من الكلمة، وفوق ذلك فليس في الضبط بالشكل نقصا يلحق القارئ به أو تقليلا من شأنه أو انتقاصه، كما نجد حرص الأقدمين على النص ببنية الكلمة كقولهم: مثلثة العين، على الرغم من ضبط الكلمة بالحركات.
أما القضية الثانية فهي أن الكلمة قد تكون - وهو الغالب - لها أكثر من توجيه إعرابي، فأيهما نعمد؟ والجواب عن ذلك أن نقول: أن النص المراد ضبطه (الكتاب) إما أن يكون تراثيا أو معاصَرا؛ فإن كان تراثيا فلا يخلو من أمرين؛ إما ان يكون مضبوطا، أو غير ذلك، فإن كان مضبوطا بالشكل تعين حينئذ محاكاته، وإن كان من صنيع الناسخ، وإن كان - أي الضبط - مخالفا لما استنبطه النحاة وقواعدهم، ما دام موافقا للغة القرآن ولو بقراءاته المتواترة، وما دام متماشيا مع ما ورد عن أشعار العرب الخُلَصاء الذين يحتج بهم، إذ العربي لا يخطئ، مع ضرورة النص على ذلك في مقدمة التحقيق والتخريج اللغوي لما جاء على غير المشهور من أقوال النحاة في الحاشية السفلية، ولا التفات - مع احترامها وتقديرها - لتعسفات النحاة وتأويلاتهم وأحكامهم الجائرة أحيانا، فلو جاء الفعل مرفوعا بعد الحرف (أنْ) ثبت كما هو لورود ذلك في إحدى القراءآت، ولو جاء مجزوما بها كذلك؛ لورود ذلك عن العرب، وهذا يتطلب ثقافة لغوية واسعة من المحقق لمعرفة الوارد من غيره، كذلك يتعين موافقة الناسخ في رسمه للحروف، مادام لها وجه في اللغة، ككتابة إذن بالنون أو بالألف، أو أن بفتح الهمزة بعد حيث وغير ذلك كثير، ويستثنى من هذه الحال ما إذا عرفنا القبيلة التي ينحدر منها المؤلف فحينئذ يتعين موافقة لغة قبيلته، فيحكم على ما خالفها بالخطأ، ولا يكون ذلك إلا لمتقدمي المؤلفين، أما إن كان النص تراثيا غير مضبوط بالشكل أو معاصَرا تعين حينئذ موافقة المشهور من أقوال النحاة منعا للفوضى والبلبلة الللغوية.
اما القضية الثالثة فهي تتعلق بتاريخ الشكل في الخط العربي ومراحل تطور الكتابة العربية والظروف التي أوجدته وبداية تحريه في الكتابة العربية، وهذا يحتاج إلى مزيد بحث، ربما أوفدنا به أبو أويس، أو أضطلع ببحثه إن شاء الله، وأخيرا أعتذر عما بَدَر عني من إطلاقات تتصل بالقضية الثالثة دون تحرّ وبحث وبرهان من العلم. ولي سؤال عند الدكتور محمد العطار وهو: ما اسم الكتاب الذي حققته بالكامل وهل هو موجود بمصر بإحدى مكتباتها العامة أو الخاصة؟ ث
ـ[د. محمد العطار]ــــــــ[26 - 12 - 10, 09:26 م]ـ
الكتاب هو كتاب البول، لاسحاق بن سليمان الاسرائيلي (م. 320 هـ)، ولم اقدمه للطباعة بعد، لعدم حصولي على مخطوط نفيس له يتعلق بمكتبة حسن حسني بالمغرب، من القرن السادس ... وكنتُ حققته استعانة بثلاث مخطوطات (مكتبة الفاتيكان، والخزانة الرضوية، والمكتبة الوطنية بايران، وكلها كُتبت قبل القرن السادس)
اما النص الذي ذكرته ... فشكراً جزيلاً لك ...
ولكن، قبل البدء، يجب توضيح بعض الامور، كي لا يشتبه الامر على القارئ:
* الإعراب: هو ما يُؤخذ من قواعد النحو .. مثل رفع الحرف الاخير من الفاعل، او رفع الحرف الاول حين البناء للمجهول ...
* الضبط بالشكل: اوسع من الاعراب، وفيه تُشَكَّل كل الكلمة، كما في الايات القرآنية ... وتفيد غير العارفين بالعربية ...
مما سبق، يمكن تجنب الكثير من الضبط، وستُقرا حتى وان لم تُفهم ...
اما ما ذكرته حول النص التراثي:
* النص القديم المشكول: الاحتفاظ بالشكل خدمة لاصحاب اللغة .. وكما ذكرنا من قول نجيب مايل هروي، يمكن به رسم اطلس لتلفظ الكلمات، في الازمنة والامكنة ..
* النص الغير مشكول والنص الحديث: يُكتفى بما له ضرورة .. اي يُشكل ما اشكل .. وذلك للسبب ذاته الذي لم يستخدم العرب النقط قديماً .. فالقارئ سيكون عارفاً بالكلمة حتى دون نقط ...
في الختام، لا شك ان التشكيل مبالغة في الاعتناء بالنص ... يُشكر القائم به، ولكن ما الذي سيجنيه القارئ زيادة عنه ان لم يُشكل، وكم سيزيد احتمال الخطا، وشرود امور اهم من المحقق، هي اجدر بالاعتناء؟
¥