تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يستحقوا اللعنة لوجهين:

أحدهما: أن الشحم خرج بجمله (إذابته) عن أن يكون شحماً وصار ودكاً، كما يخرج الربا بالاحتيال فيه عن لفظ الربا إلى أن يصير بيعاً عند من يستحل ذلك، فإن من أراد أن يبيع مائة بمائة وعشرين إلى أجل فأعطى سلعة بالثمن المؤجل ثم اشتراه بالثمن الحال ولا غرض لواحد منهما في السلعة بوجه ما، وإنما هي كما قال فقيه الأمة: «دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة»؛ فلا فرق بين ذلك وبين مائة بمائة وعشرين درهماً بلا حيلة البتة، لا في شرع ولا في عقل ولا عرف، بل المفسدة التي لأجلها حرم الربا بعينها قائمة مع الاحتيال وأزيد منها.

الوجه الثاني: أن اليهود لم ينتفعوا بعين الشحم، وإنما انتفعوا بثمنه.

ويلزم من راعي الصور والظواهر والألفاظ دون الحقائق والمقاصد أن لا يحرم ذلك، فلما لُعنوا على استحلال الثمن وإن لم ينص لهم على تحريمه؛ علم أن الواجب النظر إلى الحقيقة والمقصود لا إلى مجرد الصورة) (1).

? ثانياً: بيع التورق وعلاقته بالحيل:

التورُّق نوع من البيوع اختُلف في جوازه، فقد منعه كثير من العلماء، كما أجازه بعضهم مع تحفظ وشروط لا بد من توفرها عند التعامل بها، ومن أهمها توفر صيغة البيع الشرعي الصحيح، والبيع ـ كما عرفه الجصاص ـ هو: (تمليك المال بإيجاب وقبول عن تراض بينهما)، ومن هذا التعريف فالبيع الصحيح هو ما تم فيه نقل الملك، وتم فيه القبض، باستثناء بيوع الآجال المرخص فيها، وكان ذلك بعوض على وجه جائز شرعاً (2).

والحيل في البيوع تأتي بفقدان عنصر من عناصر صحة البيع؛ إما بفقد التقابض أو التراضي الصحيح، أو عدم الجواز الشرعي في الثمن أو المثمن، ومن هنا تأتي الحيل لتصحيح المعاملة لتأخذ الشكل المباح. يقول ابن قدامة في المغني: (والحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين، وهو أن يظهر عقداً مباحاً يريد به محرماً؛ مخادعة وتوسلاً إلى فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب) (3). ويعرّف مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ـ برابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة بتاريخ 11 رجب عام 1419هـ ـ التورق بأنه (شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع للحصول على النقد)، ومن هذا التعريف ندرك شرط تملُّك السلعة وحيازتها بعينها لدى البائع قبل البيع، مع عدم شرائه لها مرة أخرى بأي أسلوب. وهذا البيع نوع من أنواع بيوع المضطر، وقد ورد في مسند الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه، كما نقله ابن القيم في كتابه (أعلام الموقعين)، قال: (سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤثر بذلك، قال الله ـ تعالى ـ: {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]، ... ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، وبيع الثمر قبل أن يطعم). وقد علق ابن القيم على هذا الحديث بقوله: (فإن عامة العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نفقة؛ يضن بها عليه الموسر بالقرض حتى يربح عليه في المائة ما حب، وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهي العينة، وإن باعها لغيره فهو التورق، وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو محلل الربا. والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون وأخفها التورق، وقد كرهه عمر بن عبد العزيز وقال هو آخية الربا ـ بوزن قضية، تربط إلى وتد مدقوق تشد بها الدابة ـ، وعن أحمد فيه روايتان، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر، وهذا من فقهه رضي الله عنه، قال: فإن هذا لا يدخل فيه إلا مضطر. وكان شيخنا ـ رحمه الله ـ يمنع من مسألة التورق وروجع فيها مراراً وأنا حاضر فلم يرخِّص فيها، وقال المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه، مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه) (4).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير