تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخذوا منه الدين ولازموه في السراء و الضراء، ثم يطرأ عليه الضعف شيئًا فشيئًا

ويتسرب إليه الخلل وتختلط فيه الأشياء الدخيلة المنافية لروحه وتعاليمه - فإذا

طبقنا هذه القاعدة الكلية (التي هي موافقة للعقل وللناموس الطبيعي أيضًا) على

الإسلام وجب أن يكون عصره الذهبي الخالي عن التحريف والشوائب، هو عصر

الرسول عليه السلام وخلفائه الراشدين، فكل أمر وجدناه معمولاً به في ذلك العصر

علمنا أنه من الدين ويقال له سنة، وكل ما حدث بعده عرفنا أنه دخيل في الدين

ويُسمى بدعة، فهذا هو المعيار للسنة والبدعة، أو بعبارة أخرى لما هو من الدين

ولما ليس منه. فكل من يدعي أن الأمر الفلاني من الدين، والأمر الفلاني ليس

منه، فعليه أن يزن دعواه بهذا الميزان ويثبت أن الشيء الذي يزعم أنه من الدين

كان موجودًا في زمن الرسول وأصحابه، وأن الشيء الذي يعده دخيلاً فيه لم يكن

في ذلك العصر.

مثلاً: ادّعت طائفة في زماننا أن الصلوات المفروضة على المسلمين في

اليوم والليلة إنما هي مرتان أو ثلاث، وأن طريقة الصلاة كذا وكذا لا كما يصليها

المسلمون، فالواجب على هؤلاء أن يثبتوا أن النبي عليه السلام وأصحابه ما كانوا

يصلون في اليوم والليلة إلا مرتين أو ثلاثًا، وأنهم ما كانوا يصلون إلا بالطريقة

التي يدعيها هؤلاء، وأنه بعد تدوين كتب الحديث صار المسلمون يصلون خمس

مرات، وزادوا فيه كذا وكذا من الأركان تبعًا للمحدثين والفقهاء، فإن لم يستطيعوا

إثبات ذلك - ولن يستطيعوه إلى يوم القيامة - يكون مآل دعواهم أن النبي عليه

السلام أخطأ في فهم الوحي الذي أُنزل عليه (حاشاه من ذلك) وأن هؤلاء الأعاجم

الجهلة وفقوا لإصلاح ذلك الخطأ وبيان الصواب، فهل يمكن لمسلم، بل لعاقل أن

يتفوه بهذا الكلام الجنوني؟ أعاذنا الله من ذلك.

اشتقاق كلمة السنة:

زعم بعض الجهلة من أعداء السنة أن كلمة السنة مأخوذة من كلمة (مسناة)

العبرانية، وعلل دعواه بأنه كما أن اليهود تركوا التوراة وعملوا بمجموعة الروايات

الإسرائيلية وسموها (مسناة) فكذلك المسلمون لما تركوا القرآن وعملوا بالأحاديث

اشتقوا لها اسمًا من (مسناة) اليهودية وسموها (سنة)، وهذا زعم باطل، وادعاء

فاسد، ويكفي في الرد عليه أن كلمة السنة وردت في القرآن الكريم في مواضع

متعددة بهذا المعنى، أعني معنى العادة والطريقة المستمرة مثل قوله تعالى في سورة

الإسراء: ? سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ? (الإسراء: 77) وقوله في

سورة الحجر: ? وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ? (الحجر: 13) وفي سورة فاطر:

? فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ? (فاطر: 43)

فالمسلمون اقتبسوا كلمة السنة من القرآن وخصصوها في الاستعمال بسنة الرسول

وأصحابه.

هذا ما أردنا بيانه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله تعالى

على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

تعليق المنار:

نشكر لصديقنا العلامة السيد سليمان الندوي هذا المقال النفيس في الرد على

أعداء السنة المبتدعين، وهذه البدعة قديمة العهد؛ ولكن لم نعلم أنها صارت مذهبًا

يُدعى إليه في الهند إلا من مقاله هذا، وقد كنا فتحنا باب المناقشة في هذه البدعة

في المجلدين التاسع والعاشر من المنار أي منذ سنة 1324 (الموافق سنة 1906م)

فكانت موضوع مناظرة، وكان حكم المنار فيها في الجزء 12 من ذلك المجلد أن

الإسلام هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومما قلناه في الحكم

(وإنما السنة سيرته صلى الله عليه وسلم في الهدي والاهتداء بالقرآن، وهو أعلم

الناس به وأحسنهم هديًا، وإطلاقها على ما يشمل الأحاديث اصطلاح حادث، إلى

أن قلنا: فما مضت السُّنة على أنه حتم في الدين فهو حتم، وما مضت على أنه

مستحسن مخير فيه فهو كذلك في الدين، وفصَّلنا ذلك ثم أعدنا هذا البحث مرارًا

آخرها ما نشرناه في فتاوى الجزء السابع من المجلد التاسع والعشرين).

ومن الغريب أننا نرى أمم العلم والحضارة تعنى بحفظ ما يُنقل عن علمائها

وأدبائها في التشريع والحقوق والحكم والآداب، ويفاخر بعضها بعضًا بهم وبآثارهم،

ونرى هؤلاء المخذولين من مبتدعة المسلمين لا يكتفون بهضم حقوق علماء ملتهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير