تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فاسمع لقوله تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم:] وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ

مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ [(الأنبياء: 34 -

35) فانظر كيف قابل الخلد بالموت الذي هو الفناء وتأمل معناه تجده كما قال

صاحب اللسان: إنه دوام البقاء، فكأنه يقول لرسوله: وما جعلنا لبشر من قبلك

دوام البقاء أفإن مت فهم الباقون، كل نفس ذائقة الموت إلخ. وهذه الجملة الثانية

مؤكدة لمعنى ما قبلها، فغفر الله لنا ولهم وهدانا وإياهم سواء السبيل.

وإذ قد عرفنا [1] معنى الخلود الوارد في الآية، وإنه هو الذي به علمنا دوام

بقاء المؤمنين في الجنة كما علمنا به دوام الكافرين في النار، وأنه هو الأول في

الألفاظ الدالة على معنى البقاء والأبد بعده في الترتيب، ولا يعرف في اللغة لفظ

أدل على البقاء منهما في المخلوقات على ما أظن.

وأما ما ذكر في الأساس من مثل قولهم: رزقك الله عمرًا طويل الآباد بعيد

الآماد، فهو مبني على التوسع وتصوير ما لا يكون في حيز الكائن على حد قول

الشاعر: (وتخافك النطف التي لم تخلق) [2] ومثل هذا كثير في قولهم [3]، ولكننا

نسائلهم في أصل وضع الخلود والأبد، وقد عرفت معناهما عن اللسان فيما تقدم [4]

على أن الله تعالى أخبر بكل لفظ مفيد الدوام والبقاء عن كلتا الدارين كلا الفريقين،

فقال:] لهم فيها دار الخلد [وقال:] عذاب مقيم [.

إذا عرفنا ما تقدم أمكننا أن ننظر في الاستثناء المذكور في آية الأنعام جاعلين

نصب أعيننا ما ورد في آيات الله تعالى من وعده للمؤمنين ووعيده للكافرين وكذلك

الأحاديث الصحيحة المصرحة بخروج عصاة المؤمنين من النار، أما الآيات

المصرحة بدخول الكافرين النار فهي كثيرة وعلى كثرتها محكمة لا ناسخ فيها ولا

منسوخ ولا متشابه [5] ولا يصح أن نؤول كل هذه الآيات ونركب كل صعب وذلول

حتى نجعلها كلها من باب الرعد الذي ليس وراءه شيء لننظمها في سلك آية وجد

فيها ذوو الشُّبه ما يوافق أهواءهم ويثبطون به همم غيرهم ويشغلون به الأفهام،

وكم مُني الإسلام بهم ونفذت فينا سهامهم حتى اختلفنا في كتابنا كما اختلفوا في

كتابهم، وكان ذلك قدرًا مقدورًا.

قال تعالى:] وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ

أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ

مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [(الأنعام: 128)

فالمعنى: خالدين فيها يا أهل النار (وهم من مرَّ ذكرهم) إلا ما شاء الله من هذا

الخلود، أن يخرجهم من داره؛ لأنه حكيم لا يخلد إلا الكافر الذي أخبر عنه في كثير

من آياته، عليم بما يخرج من أهل الإيمان الموحدين، فالآية قد جمعت وعدًا

ووعيدًا، وكثيرًا ما يذكر الله في آياته أحدهما بعد الآخر على حد قوله تعالى:] إِنَّ

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى

يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [(الأعراف: 42،41،40)،

وكقوله تعالى:] فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ

يَلْقَوْنَ غَياًّ * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً [

(مريم: 59 - 60) فما يخبر سبحانه بوعيد وإنذار إلا ويعقبه بوعد وبشارة:

] لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [(النجم: 31)

فلما أنذر قومًا في هذه الآية بالخلود في النار على استمتاع بعضهم ببعض وموالاة

بعضهم بعضًا وكان بعض المؤمنين الذين أَلَمُّوا ببعض الذنوب ولحقهم من الوصف

شيء يحزنهم ذلك حتى يؤديهم إلى اليأس، لا جرم استثنى الله تبشيرًا لهم وإخبارًا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير