تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَالثّانِي: أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ وَاوَ " مَعَ " وَتَكُونَ " مَنْ " فِي مَحَلّ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى الْمَوْضِعِ " فَإِنّ حَسْبَك " فِي مَعْنَى " كَافِيك " أَيْ اللّهُ يَكْفِيك وَيَكْفِي مَنْ اتّبَعَك كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: حَسْبُك وَزَيْدًا دِرْهَمٌ قَالَ الشّاعِرُ

إذَا كَانَتْ الْهَيْجَاءُ وَانْشَقّتْ الْعَصَا فَحَسْبُكَ وَالضّحّاكَ سَيْفٌ مُهَنّدٌ

وَهَذَا أَصَحّ التّقْدِيرَيْنِ.

وَفِيهَا تَقْدِيرٌ ثَالِثٌ أَنْ تَكُونَ " مَنْ " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ أَيْ وَمَنْ اتّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَحَسْبُهُمْ اللّهُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَسْبِ وَالتّأْيِيدِ]

وَفِيهَا تَقْدِيرٌ رَابِعٌ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنْ تَكُونَ " مَنْ " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى اسْمِ اللّهِ وَيَكُونَ الْمَعْنَى: حَسْبُك اللّه وَأَتْبَاعُك وَهَذَا وَإِنْ قَالَهُ بَعْضُ النّاسِ فَهُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ فَإِنّ " الْحَسْبَ " و " الْكِفَايَةَ " لِلّهِ وَحْدَهُ كَالتّوَكّلِ وَالتّقْوَى وَالْعِبَادَةِ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الّذِي أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الْأَنْفَالُ 62]. فَفَرّقَ بَيْنَ الْحَسْبِ وَالتّأْيِيدِ فَجَعَلَ الْحَسْبَ لَهُ وَحْدَهُ وَجَعَلَ التّأْيِيدَ لَهُ بِنَصْرِهِ وَبِعِبَادِهِ وَأَثْنَى اللّه سُبْحَانَهُ عَلَى أَهْلِ التّوْحِيدِ وَالتّوَكّلِ مِنْ عِبَادِهِ حَيْثُ أَفْرَدُوهُ بِالْحَسْبِ فَقَالَ تَعَالَى: الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عِمْرَانَ 173]. وَلَمْ يَقُولُوا: حَسْبُنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلَهُمْ وَمَدَحَ الرّبّ تَعَالَى لَهُمْ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَقُولُ لِرَسُولِهِ اللّهُ وَأَتْبَاعُك حَسْبُك وَأَتْبَاعُهُ قَدْ أَفْرَدُوا الرّبّ تَعَالَى بِالْحَسْبِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِهِ فِيهِ فَكَيْفَ يُشْرِكُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِي حَسْبِ رَسُولِهِ؟ هَذَا مِنْ أَمْحَلْ الْمُحَالِ وَأَبْطَلْ الْبَاطِلِ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ [التّوْبَةُ 59].

فَتَأَمّلْ كَيْفَ جَعَلَ الْإِيتَاءَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ [الْحَشْرُ 59]. وَجَعَلَ الْحَسْبَ لَهُ وَحْدَهُ فَلَمْ يَقُلْ وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ بَلْ جَعَلَهُ خَالِصَ حَقّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ [التّوْبَةُ 59]. وَلَمْ يَقُلْ وَإِلَى رَسُولِهِ بَلْ جَعَلَ الرّغْبَةَ إلَيْهِ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ [الِانْشِرَاحُ 87].

فَالرّغْبَةُ وَالتّوَكّلُ وَالْإِنَابَةُ وَالْحَسْبُ لِلّهِ وَحْدَهُ كَمَا أَنّ الْعِبَادَةَ وَالتّقْوَى وَالسّجُودَ لِلّهِ وَحْدَهُ وَالنّذْرُ وَالْحَلِفُ لَا يَكُونُ إلّا لِلّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَيْسَ اللّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزّمَرُ 36]. فَالْحَسْبُ هُوَ الْكَافِي فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنّهُ وَحْدَهُ كَافٍ عَبْدَهُ فَكَيْفَ يَجْعَلُ أَتْبَاعَهُ مَعَ اللّهِ فِي هَذِهِ الْكِفَايَةِ؟ وَالْأَدِلّةُ الدّالّةُ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا التّأْوِيلِ الْفَاسِدِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ هَاهُنَا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير