[محمد أركون ومعالم من أفكاره]
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[25 - 07 - 05, 08:47 م]ـ
فكر
[محمد أركون ومعالم من أفكاره]
محمد بن حامد الأحمري
تطورت في عصرنا هذا وسائل الدعاية لكل شيء بمقدار لم يسبق له مثيل،
هذه الدعاية في قضايا الكماليات ووسائل الراحة قد تكون معقولة إلى حد ما، لكن
الغريب من أصناف هذه الدعاية، الدعاية الفكرية لعامة الكتاب والشعراء والروائيين
إلى درجة تدفع إلى السأم وعدم الثقة بأي شيء يشتهر من كتاب أو كاتب أو صحيفة،
فيجعلك هذا لا تثق بالشهرة لأي عمل، إذ قد يكون في غاية الرداءة والفساد لكن
جيوش الإعلام والترويج تحاصرك حتى تفقد بصيرتك. وقد حاصرتنا الدعاية في
زماننا ورفعت في وجوهنا مجموعة من الكتاب والمفكرين والأدباء، وألصقتهم في
وجوه ثقافتنا كرهاً، وألزمتنا بهم وحاصرتنا كتبهم في كل زاوية، وليس هذا
الحصار فقط بين العرب، بل لقد شكَت إحدى المستشرقات وقالت: إن أدونيس لم
يقل شيئاً ولكن اللوبي الأدونيسي هو الذي أعطاه الأهمية!. هذا الجيش الدعائي
من وراء كتاب صغار أو مغالطين كبار هو الذي أعطاهم أهمية كبرى في عالم
الكتاب العربي.
قال أحد القراء لقد رأيت كتب أركون ولفت انتباهي الدعاية الكبيرة لها؛
فذهبت مع القوم واشتريت منها وقرأت الأول والثاني فما أحسست بفائدة ولا
ساعدني الفهم، وقلت كاتب متعب ولكن زادت الدعاية للرجل فقلت في نفسي:
النقص في قدرتي على الدراسة والفهم، وسكتُّ وخشيت أن أقول لأحد: لا أفهمه،
حتى إذا كان ذات يوم جلست إلى قارئ وكاتب قدير وتناول كتاب (تاريخية الفكر
العربي الإسلامي) وقال: لقد حاولت أن أفهم هذا الكاتب أركون فما
استطعت، فكأنما أفرج عني من سجن وقلت: رحمك الله أين أنت فقد كنت أبحث
عن قارئ له يعطيني فيه رأياً، لا الذين أكثروا من الدعاية له دون دراية.
وحتى لا تضر بنا المبالغة في هذا إليك نموذجاً للدعاية الأركونية: علق هاشم
صالح مترجم أركون إلى العربية في آخر كتاب (الفكر الإسلامي نقد واجتهاد)
يقول هاشم: بعد أن تركت محمد أركون رحت أفكر في حجم المعركة التي
يخوضها بكل ملابساتها وتفاعلاتها، وهالني الأمر فكلما توهمت أن حدودها قد
أصبحت واضحة محصورة، كلما اكتشفت أنها متشابكة معقدة، شبه لا نهائية.
هناك شيء واحد مؤكد على أي حال: هو أن محمد أركون يخوض المعركة على
جبهتين جبهة الداخل، وجبهة الخارج، جبهة أًصوليي المسلمين، وجبهة أصوليي
المستشرقين:
وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيْك تميل؟ [1]
هذا مثل مما يفعل هذا المترجم، وقد يفاجئك مراراً بالمدح في وسط الكتاب أو
في المقدمة أو في الهامش [2] أو في لقاءاته مع أركون التي تمثل جزءاً كبيراً من
أعماله؛ فهذه طريقة في الكتابة جديدة إذ يُجري المترجم حواراً حول أفكار أركون
بعد كل فصل أو في آخر الكتاب كما في (الفكر الإسلامي قراءة علمية)، أو
(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد).
أثناء قراءة أعمال أركون قد تصادفه ينقد مدرسة عقائدية أو فقهية، ويحاول
أن يقول إنها خرافة، وأسطورة دغمائية كما يحلو له أن يكرر، وتقول: لعله
ينصر المدرسة الأخرى، فهو إما شيعي أو خارجي، ثم يخرج عليك في صفحة
أخرى وهو يعرض بعدم معقولية فكرة الإمامة لدى الشيعة [3]، ثم في مكان آخر لا
يتفق مع الإسلام السني المتزمت في نظره [4] علماً أن السني عنده هم الأشاعرة،
وأما أحمد وابن تيمية فيدعوهما حنابلة متزمتين. وتحاول جاهداً أن تقف تماماً على
ما يريد فإذا هو متناقض لا يؤمن بشيء ولا يرى أن لهذا العلم أو التراث الإسلامي
أي مكانة إلا في عين المدارس النقدية الغربية؛ فما أقرته فهو الحق والمحترم -
كنص للدراسة ليس أكثر من نص بشري قابل للأخذ والعطاء - وما لا تقره
المكتشفات الأسلوبية اللغوية الاجتماعية والنفسية المعاصرة فإنه لا يرى إقراره
والاهتمام به لقدمه وتخلفه عن العصر.
ولعل كتاب (الفكر العربي) أول كتبه المترجمة إلى العربية وفيه تلخيص
غامض لجُل ما قال في الكتب الأخرى، وأشار فيه بكثير من التحفظ إلى آرائه في
القرآن والسنة والشيعة والحداثة والتجديد.
عند أركون أهداف واضحة لمن يستقرئ أعماله ويصبر على التزوير
والمراوغة واللعب بالكلمات في غير معانيها حتى يحصل على هدفه الكبير من كل
¥