أرى أن يكون التركيز في الدراسات العليا على المسائل المشكلة في التخصص والقضايا التي كانت محل بحث متعدد ونظر مختلف من أهل العلم، بحيث تحصر المسائل المشكلة في كل فن، ثم يستخلص منها أهمها وأبلغها أثرا وأعمقها بحثا، وتقسم على الطلاب في أول الدراسة ويمهلون وقتا لدراستها وبحثها، حتى إذا استكملوا ذلك عقدت جلسات علمية وحلقات حوارية لمناقشة هذه المسائل، وفي هذا السبيل فسيكون من الرائع حقا والمفيد جدا أن يستضاف بعض أعضاء القسم المتميزين لحضور هذه الجلسات والاستماع والمشاركة، وإن تيسر دعوة أحد المتخصصين ممن له بحث أو إسهام في تلك المسائل المشكلة لحضور هذه الجلسة والاستماع لرأيه فسيكون عملا رائدا.
إن مثل النوع من الدراسة والطريقة في البحث، تحقق عددا من الأهداف، من أبرزها:
1. هذا النوع من الدراسة يجعل الطالب مشاركا في إعداد المادة بل في الحقيقة هو الذي يتولى إعدادها بإشراف أستاذ المادة، وهذا يحقق عددا من الأمور الإيجابية، من أهم ذلك أن الطالب حتى يتمكن من إعداد المادة يلزمه أن يطلع على عدد من المؤلفات والكتب والدراسات حتى يصوغ بحثه بشكل جيد، ثم هو أيضا بتوليه دراسة تلك المسائل سيكون مشاركا في إعداد المنهج متفاعلا مع المادة التي يدرسها، وهذا مما يسهم في رسوخ المادة وثباتها في ذهن الطالب.
2. دراسة هذه المسائل على هذا النحو ينمي في الطالب القدرة على فهم كلام أهل العلم، وأساليبهم في تقرير أرائهم وطريقتهم في الاستدلال لها، ومنازع فهمهم للنصوص.
3. الوقوف على مناهج وطرائق أهل العلم في تطبيق القواعد العلمية والأصول الكلية التي يستدلون بها لتصحيح أرائهم، ومن المعلوم أن كثيرا من الآراء العلمية تنطلق من قواعد وأصول ومرجحات قد تقررت عند أهل العلم واستقر العمل بها، فهذه الطريق في الدراسة تنمي ملكة الطالب وتزيد خبرته بها وتجربته لها بشكل علمي.
4. كما تساعد هذه الطريقة على تنمية القدرة الذهنية عند الطالب لفهم الآراء والنصوص التي يدرسها، ومعرفة مواطن القوة فيها والمآخذ عليها، وهذه ملكة لا بد منها لطالب العلم في دراساته الأكاديمية.
5. بقي أن يقال: إن الدراسات العليا مرحلة متقدمة من التخصص، إذ من المفترض أن يكون الطالب قد تحصل على جملة لا بأس بها من أصول تخصصه ومسائله في المرحلة الجامعية، بل في الحقيقة إن المرحلة الجامعية من المفترض أن تكون دراسة تخصصية، وتكون الدراسات العليا مرحلة متقدمة من التخصص.
إن أي طرح أو مقترح لا يستصحب المرحلية في التخصص التي تبدأ من الدراسة الجامعية، لن يكتب له النجاح المأمول، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار مبدأ التكامل والمرحلية في الدراسة الأكاديمية، ولهذا فإن من الخطأ أن تكون الدراسات العليا ـ لا سيما مرحلة الدكتوراه ـ مشتملة على مقدمات أوليه لبعض الفنون والعلوم، ـ كما حصل في بعض الأقسام العلمية ـ لأن الأصل أن تدرس هذه المقدمات في المرحلة الجامعية.
وأخيراً:
فهذا موضوع يجب أن يدرس بشكل موسع، ويكون تناوله من جوانب عدة، وفي هذا السبيل فإني أقترح على الأخوة الكرام المشرفين على هذا الملتقى الطيب أن يستكتبوا عددا من المتخصصين في الأقسام العلمية لطرح آرائهم ومقترحاتهم، حتى تكتمل الصورة وتتعدد الرؤية.
والله من وراء القصد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـ[أحمد القصير]ــــــــ[06 Jun 2003, 10:08 م]ـ
من الاقتراحات:
1 - التفريق بين مرحلة الماجستير والدكتوراه، بحيث يلغى البحث في مرحلة الماجستير بشكله المعروف الآن، وتجعل الدراسة خلال الثلاث سنوات على هيئة مشاريع فصلية، بحيث يقدم الطالب في كل فصل مشروعا في فرع من فروع التفسير، فمثلاً:
الفصل الأول: يقدم مشروعاً في التعرف على كتب علوم القرآن.
والفصل الثاني: مشروعاً في التعرف على كتب أحكام القرآن.
والفصل الثالث: مشروعاً في التعرف على كتب مشكل القرآن، وهكذا.
ولا مانع من تعدد المشاريع في كل فصل، حتى يتمكن الطالب من الاطلاع على قدر كبير من المراجع التي تعنيه في مجال تخصصه مع تصور شبه تام لمحتويات تلك المراجع، مما يسهل عليه بعد ذلك سرعة الوصول للمعلومة.
2 - أما في مرحلة الدكتوراه فيعطى الطالب الفرصة للإنتاج العلمي بتقديم مشاريع بحثية لا يتجاوز عمرها سنة واحدة ويراعى فيها الكيف لا الكم، والتجديد لا التكرير، بحيث ينجز الطالب خلال أربع سنوات أربعة مشاريع علمية، مع مراعاة التنويع في البحوث، وفي نظري أن في هذه الطريقة فرصة كبيرة للتنويع والاطلاع الأوسع لطالب الدراسات العليا، بخلاف ما إذا ركز جهده خلال أربع أو خمس سنوات في فكرة واحدة، ولنقل مثلاً منهج فلان في التفسير، فإنه سيكون ضحل المعلومة في بقية المجالات في تخصصه، وهذا مع الأسف ما نراه في طالب الدراسات العليا، تجده حصل على الأستاذية، وهو لم يتصور بعد جميع فروع تخصصه، وإنما علمه منحصر في زاوية واحدة أو اثنتين من مجال تخصصه، والله الموفق.
¥