تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما أن عليهم أن يتسموا الجديَّة في الطلب، وعدم التكاسل في التحصيل، والمثابرة في العمل والاجتهاد في القراءة العلمية المرتبطة بالتخصص، والمشاركة النافعة في تقديم البحوث العلمية في الفصول التي يدرسها، وفي النقاشات العلمية التي يُديرها أستاذه في القاعة.

2 ـ تقييد الفوائد العلمية، وكتابة الأفكار والمشاريع العلمية للمستقبل، وكذلك كتابة الملحوظات التي يلحظها على هذه المرحلة التي يمرُّ بها، ليفيد من يجيء بعده، كما يفيد من يريد تخطيط برنامج للدراسات العليا.

ولا يَقُل ـ محتقرًا شأنه: كيف أضع ملحوظات أكتب فيها ما رأيت من الإيجابيات والسلبيات، وأذكر فيها ما أراه من مقترحات؟!

فمن هو الذي أقدر منه بعد هذا العمر الدراسي أن يوصِّف المنهج؟!

إن من ابتعد عن هذه المرحلة، وانشغل بالأعمال الإدارية، فأخذ يبتعد عن العلم بكثرة أشغاله لا يمكنه أن يكون في فهمه لحاجة هذه المرحلة كفهم من قَرُبَ منها وعَرَكَها من أساتذة الدراسات العليا وطلابها، وهؤلاء هم أحقُّ من يقوِّم برنامج الدراسات العليا، فإلى متى لا يُنظر لهم في هذا المجال الذي يَعْنِيهم هُمْ دون غيرهم ممن لم يمارس ما مارسوه.

وإن كان قد مارس، فربما يكون ـ أثناء وضعه لخطة الدراسات العليا ومناهجها ـ قد بعُدت ممارسته عن هذه المرحلة، وربما كان من أحد أصناف الطلاب الذين لا يعنيهم من هذه المرحلة سوى الحصول على الدال، والسلام.

ومن العجيب أن يصل الأستاذ إلى مرحلة التدريس في الدراسات العليا، ويُظَنُّ به أنه لا يستطيع رسم منهجٍ وخطةٍ لتدريس طلابه، ولا يستطيع أن يبدع ويفيد طلابه، ذلك أمر عجيب لا يخلو من حالين:

الأول: أن يكون الأستاذ الجامعيُّ لا يزال يحتاج إلى من يتابعه ويؤاخذه.

الثاني: ضعف تأهيل الأستاذ الجامعي، وعدم تدريبه على قيادة هذه المرحلة.

3 ـ يعيش طلاب الدراسات العليا همَّ تسجيل موضوعٍ في أطروحتهم في المرحلتين (الماجستير والدكتوراه)، وللموضوع ومشكلة قبوله ظروفٌ تخضع لأسباب ليس هذا محلُّها. لكن المراد هنا أن ينتبه الطالب أنه سيعيش مع بحثه ما لا يقل عن ثلاث سنوات، حتى إنه سيرى بحثه يأكل معه، وينام معه ويسير معه، بل سيجده معه في صلاته. ذلك همٌّ لا يمكن التخلصُّ منه. فإذا كان ذلك كذلك فإني أنصح الطالب أن يتسم موضوعه بأمورٍ، منها:

الأول: أن يكون الموضوع مما يرغبه الطالب، ويكون بينه وبين موضوعه تناسب نفسي؛ لأنه إن لم يكن كذلك فإنه سيزيد على نفسه همًّا فوق همِّ البحث، وذلك عدم رغبته في الموضوع.

الثاني: أن يكون جادًّا في تحصيل الموضوع الذي يستفيد منه، ويبني به نفسه في هذه الفترة التي سيقضيها مع بحثه؛ إذ يمكن أن تكون هذه المرحلة مرحلة تأسيس علميٍّ له، لكثرة ما سيطلع عليه من المعلومات والمراجع.

وإياك إياك من سماع بعض العاجزين الذين يهوِّنون عليك البحث، ويحسبونه مجرد قصٍّ ولزق، فإن من يصوِّر البحث بهذه الطريقة لم يستفد من بحثه، ولم يتفاعل معه، ولا تلذذ به، وغالبًا ما يكون من هذا رأيه ممن ليس له همٌّ علميٌّ، فتراه مشغولاً بغير العلم لا محالة.

الثالث: احرص على الموضوع الذي تتوقع أن تكون فوائده الجانبية كثيرة، بحيث تستفيد من المسائل التي تطرأ لك أثناء البحث، وهي ليست من صلبه، وتجعلها بحوثًا للترقية، أو للنشر عمومًا. وهذه الفائدة مما يحسن بطالب الدراسات العليا الحرص عليها؛ لأنها من أكبر ثمار بحثه، وهي فوائد يلقاها ملقاةً أمامه كما يلقى كنْزًا متناثرًا في طريقه؛ لذا عليه أن يقيدها، ويصنفها ليستفيد منها.

وفي نظري: أن من لم يستفد من بحثه إلا مسائل بحثه فقط، فإن الأمر لا يخلو من أن يكون لعدم تنبه الباحث لهذه الفوائد، فتضيع عليه، أو أن البحث مما لا ثمرة فيه أكثر مما فيه.

الرابع: إياك والتكاسل أو الانقطاع عن البحث، فإن وجدت في نفسك فتورًا عن الكتابة، فاحمل أوراقًا مما كتبته من بحثك واقرأها، وصحح ما يحتاج إلى تصحيح، وقم بتعديل ما يحتاج إلى تعديل، وبهذه الطريقة تكون متصلاً ببحثك نشيطًا له في كلِّ آنٍ.

ولا تنس نفسك من راحة واستجمام، فأنت بحاجة لذلك، فإذا أخذت لنفسك وقت راحة، وسافرت ـ مثلاً ـ فتمتع بسفرك، وانس بحثك، فلا يشغلك في وقت راحتك، فإنك إذا فعلت ذلك عُدت نشيطًا متلهِّفًا له، أما إذا حملته معك وقت سفرك، فإنك لن تستطيع النظر فيه، وسيكون عبؤه النفسي عليك ثقيلاً، وسيقع في نفسك أنك لم تنجز في فترة راحتك شيئًا في هذا البحث، فتتحسر فيما لا يحتاج إلى تحسُّر.

الخامس: من المهم جدًّا أن لا تتأخر في كتابة البحث، ولو كانت المعلومات ناقصة، فإنها ستزداد شيئًا فشيئًا، ويمكنك آنذاك أن تعدل وتضيف. أما إذا لم تمارس الكتابة فإنك ستشعر بأنك لم تبحث، بل قد يصل الحدُّ بك أن تحسَّ بأنك غير قادر على البحث، وتلك مرحلة مررتُ بها، فأرشدني فيها المشرف جزاه الله خيرًا إلى هذا، فوجدتُّ غِبَّ ذلك حُسنًا وسلامة، وعلمت أن البحث الحقيقيَّ يبدأ بالكتابة، أما القراءة وجمع المعلومات فلا تعدو ـ مع أهميتها ـ أن تكون مرحلة أولية، والمعلومات ستظهر لك وتتجدد، ولو كنت في آخر الوقت من بحثك، فاستعن بالله ولا تتأخر.

وأخيرًا، فأسأل الله أن يعينني وإياكم على حسن العمل، وأن يجعل ما نقدمه ـ معشر الكتاب ـ في هذه الشبكة خالصًا لوجهه الكريم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير