تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن أهداف وشروط ومتطلبات ومواصفات طلاب الدراسات العليا وكذلك مخرجاتها يجب أن تكون واضحة ومميزة للجميع على المستوى الشعبي والرسمي بحيث لا تصبح كما هو الحال في خريجي الثانوية الراغبين جميعاً في الالتحاق بالجامعات؛ لأن الدراسات العليا كما أسلفت هي لفئة قليلة مميزة بالمواصفات التي تتصف دول العالم المتقدم بها.

أما القضية الثانية في الدراسات العليا في الجامعات لدينا فهي قضية التدريس في الدراسات العليا ( Teaching Issue). وهذه في نظري أحد الأركان الأساسية التي يجب العناية بها في الدراسات العليا، بل هي العملية الأساسية الأولى التي يجب الاهتمام بها من حيث محتوى وأهداف المناهج والمقررات التي تدرس وكذلك القائمون على تدريسها وما يتبع ذلك من وسائل تقويم أو تدريس أو إدارة أو تنفيذ. وفي نظري وخبرتي طالباً في الدراسات العليا في جامعة محلية وجامعة أمريكية مميزة أو أستاذاً كذلك فقد وصلت إلى أن هناك أربعة أهداف رئيسية في التدريس للدراسات العليا، هي: (1) الاهتمام بتشكيل التفكير الاستقلالي والنقدي والابتكاري لدى الطالب (2) الاهتمام بتقديم المعرفة الصحيحة والثرية لطالب الدراسات العليا (3) الحرص على تقديم المهارات الأساسية لطالب الدراسات العليا وعلى وجه الخصوص مهارات اللغة العربية والإنجليزية (4) المهارات المنهجية البحثية والحاسوبية.

إن واقع ما يمارس في دراساتنا العليا من حيث التدريس يبعد كثيراً عما طرحته في أفكار وأهداف يجب أن تحقق في تدريس طالب الدراسات العليا؛ فلا نزال نشهد استمرارية للتدريس الجامعي الذي هو إلى حد كبير استمرارية للتدريس في التعليم العام من حيث التلقين والاستعلاء والبعد عن النقاش والحوار والبُعد عن إكساب المهارات الضرورية وبناء الشخصيات ذات الفكر المستقل والمسؤول. وقد يعود ذلك في جزء منه إلى افتقار من يقوم على التدريس في الدراسات العليا إلى الشخصية (القدوة) والشخصية القيادية للتدريس في هذا المستوى وكذلك الافتقار إلى المهارات الأساسية التي أشرت إليها فيما سبق، ومن هنا نقول (إن فاقد الشيء لا يعطيه)، وماذا نتوقع من نتاج الدراسات العليا إذا كان القائمون على التدريس فيها لا تتوافر فيهم الصفات اللازمة والضرورية للتدريس لهذا المستوى؟ أليست هي المرحلة الأخيرة التي تؤهل من ينتهي منها إلى التدريس والبحث وخدمة المجتمع بشكل مثالي وقيادي ورمزي؟ ألا تستحق تميزاً خاصاً وعناية خاصة في هذا المجال؟

لقد لاحظت الكثير ممن حصلوا على درجات الماجستير والدكتوراه في العديد من جامعاتنا لا يتقنون مهارات اللغة الأساسية (العربية) فما بالنا بمهارة اللغة الإنجليزية التي هي الآن مفتاح للكثير من المعارف والعلوم، وكذلك يفتقرون إلى مهارات التعامل مع الحاسب الآلي ومناهج البحث العلمي التي تجعل من الأستاذ قادراً على العطاء وقادراً على تنمية شخصية طلابه وتعليمهم وتدريبهم وإكسابهم المهارات التي يحتاجونها. وليس الخلل يتعلق بالأساتذة وحدهم فقط بل إنه في غياب أو ضعف الحوافز البيئية المنشطة للأداء المميز واللوائح المساندة ينتج ما نراه.

وفي غياب التقويم الفعّال لأداء أعضاء هيئة التدريس في الجامعات وفي الدراسات العليا على وجه الخصوص، لا غرابة أن نجد غياباً وعدم اكتراث بالتميز والنمو في شخصية الأساتذة في هذه الجوانب، ولتأكيد هذه الافتراضية أو الادعاء أود أن أشير إلى مثال واحد فقط مما يجري من كيفية احتساب أداء أعضاء هيئة التدريس المتقدمين للترقيات العلمية. كيف تحتسب درجة الـ25% للعضو المتقدم؟ إنني أقول وبكل ثقة إنه في غياب وجود المعايير الإدارية والفنية الواضحة في الجامعات في هذا المجال فإن معظم ما يجري - إن لم نقل كل ما يجري - هو عبارة عن مجاملات واجتهادات من قِبَل رؤساء الأقسام والعمداء لتقدير أداء الأساتذة في مجال التدريس، وهو في نظري لا يترجم حقيقة أداء الأساتذة فضلاً عن تحفيزهم وتشجيعهم للأداء الجيّد والكفء لوظائفهم والتمايز فيما بينهم فنراهم أو أغلبهم يمنحون الدرجة كاملة لبند التدريس لجميع المتقدمين فهل هذا وضع سليم؟ وهل هذا يخدم أهداف التدريس؟ ثم ألسنا بحاجة إلى وضع أساليب أنجع وأكفأ لتقييم أداء الأساتذة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير