ورغم وجود دراسات وأبحاث تتعلق بالتناسب وتقارب بشكل أو بآخر قضية لسانيات الخطاب القرآني بصفة عامة، فقد ظلت الحاجة ملحة لدراسة تحيط بمكونات النص / الخطاب القرآني، و تبرز العلاقات التي تربط بينها سواء على المستوى التركيبي أم الدلالي أم الأسلوبي الجمالي، ولا تغفل دراسة الجانب التداولي الذي يشكل هو الآخر عاملا هاما من عوامل تماسك النص / الخطاب القرآني.
إن الرغبة في إنجاز وتحقيق هذه الدراسة المتكاملة التي تستشرف مقاربة النص / الخطاب القرآني بأدوات منهجية حديثة مستقاة من اللسانيات ومناهج تحليل الخطاب، مع مراعاة خصوصيات القرآن الكريم، ومحاولة استخلاص نظرية متكاملة في التفسير، هي التي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع لإعداد أطروحة الدولة، فضلا عن الكشف عن مظاهر اتساق الخطاب القرآني و انسجامه مع تحديد المعالم الكبرى للسانيات تصلح لمقاربة الخطاب القرآني يجوز لنا أن نصطلح عليها بلسانيات الخطاب القرآني.
أما عن الصعوبات التي واجهتني في هذا البحث فيمكنني إجمالهافي ما يلي:
1 - اتساع مجال البحث، و تشعب قضاياه و دقتها.
2 - قلة المصادر و المراجع التي قاربت القرآن الكريم مقاربة لسانية بصفة عامة، و مقاربته بلسانيات النص بصفة خاصة، مع التأصيل لهذه المقاربة.
المنهج المتبع في البحث: قبل تحديد الخطوط العامة لمنهج البحث الذي اتبعته في دراستي لموضوع أطروحتي، لا بد لي أن أبين أن هذا البحث يتبنى نظرية " نحو النص " أو ما يصطلح عليه ب" أنحاء النص " التي جاءت بديلا عن النحو الجملي الذي يعتبر الجملة أكبر وحدة لسانية يمكن دراستها. و معنى هذا أن البحث ينظر إلى النص / الخطاب القرآني كنص وخطاب متكامل لا يمكن استيعاب جزئية منه، و إدراك قضية من قضاياه الصوتية أو الصرفية أو التركيبية أو الدلالية أو الأسلوبية أو التداولية إلا في إطاره الشمولي الكلي. ذلك أنني أعتقد أن القرآن الكريم يشكل وحدة نسقية، وهذا ما ما حاولت الدراسة البرهنة عليه.
إن تطبيق نظرية نحو النص اقتضت مني التزود بمجموعة من الأدوات المعرفية حتى أتمكن من مقاربة النص / الخطاب القرآني من جهة الاتساق والانسجام، ومعنى ذلك أن البحث استفاد من تراثنا المرتبط بالقرآن، كعلوم القرآن، والتفسير، والدراسات الإعجازية، ومن الكتب النحوية والبلاغية، ومن نظرية النظم وعلم المناسبة بصفة خاصة. مع الاستفادة من الدراسات التي أنجزت من الناحية النظرية والتطبيقية في إطار ما يعرف بالنحو النسقي، الذي يحاول تمثل النص في نواحيه التركيبية والدلالية والتداولية.
و لتحقيق هذا العمل بهذه الطريقة الشمولية اتبع البحث ثلاث خطوات منهجية:
1 - تبني المنهج الوصفي: و قد عملت من خلال ذلك على تحديد مكونات النص / الخطاب القرآني:
أ - الصوتية.
ب - الصرفية.
ت - التركيبية.
دون أن نتجاهل المستوى الدلالي، والمستوى الأسلوبي، والمستوى التداولي، وقد عملت على إدماجها في المستويات السابقة، علما أن اللغة عندما تعمل تكون كل هذه المستويات مندمجة، وما نقوم به من تقسيمات إنما هو لدواع علمية صرفة.
كما عملت الدراسة على حصر مظاهر الانسجام والاتساق في النص القرآني، وتصنيفها إلى:
1 - عناصر الانسجام الصوتية.
2 - عناصر الانسجام الصرفية.
3 - عناصر الانسجام التركيبية.
2 - تبني المنهج التحليلي: حيث عملت على دراسة كل مكونات النص / الخطاب القرآني السالفة الذكر، وكل عنصر من عناصر الانسجام دراسة تحليلية بهدف الكشف عن آليات الترابط النصي ووظائفه، مع تحديد أدوات الاتساق وكيفية اشتغالها.
3 - الدراسة المقارنة: وأثناء هذه الخطوة المنهجية الثالثة حاولت دراسة المكونات السالفة الذكر دراسة مقارنة بهدف تحديد القيم الخلافية بينها، وقد عززت ذلك ببعض الرسوم البيانية.
- الخطة العامة للبحث: قسمت بحثي إلى:
مقدمة: وقد تناولت فيها دوافع اختيار البحث، والصعوبات التي واجهتني، مع عرض للأطروحة التي دافعت عنها، والمنهج الذي اتبعته في البحث والخطة العامة للبحث، وقد ذيلتها بشكر وتقدير.
الباب الأول: القرآن الكريم نظام معرفي ولغوي: ويتضمن فصلين:
الفصل الأول: القرآن الكريم نظام معرفي وقد درست فيه الأبعاد التالية: العقدي والتشريعي و الأخلاقي و العلمي و المنهجي.
¥